نهى عاصم
اسم صعب وغلاف قاتم يغلب فيه السواد وهو الإثم ويطالعنا وجه أحمر بلون الدماء، كل هذا يجعل القلب وجلًا متوجسًا مما سيقرأ فالأديب جزائري ومن المؤكد إنه شهد سنوات صعاب عاشها وأهل الجزائر.. قدم الكاتب صفة إثم الأرض قبل الغفران ولعله يريد لنا أن نتفائل فبعد الإثم غفرانً
الغلاف من الخلف يحمل كلمات من الرواية كلمات تشعرنا بروح وقلب الشاعر الذي يكتب الرواية، كلمات تسحب القاريء إلى عالم مخيف ولكن تطمئنه في آخر الكلمات
“أنتم بيننا، فعليكم الأمان
وكأن الكاتب يطمئنني قائلًا: لا تخشي شيئًا فالأمر انتهى وعليكِ الأمان
سبعة محررين ومنهم محرر جزائري في رحلة بحرية إلى الإكوادور إلى جزيرة داروين المسماة إرهابيس تان كما يطلق عليها كل من جاء ليعيش فيها .. يعيش بالجزيرة رجالًا ماتوا ولا نعلم كيف عادوا ولكننا نعلم أنهم يريدون تغيير العالم
الثورة، الدين، السياسة، الإرهاب، الثوار، الحركات الإسلامية المسلحة، المافيا والمخدرات، كلها أشياء أشار القائد مانكو إلى وجودها جميعًا في الجزيرة وكان يعقب بقوله للصحفيين
“لم تر شيئًا يا صديقي”
برلمان ودستور علم أسود عليه وردتان حمراوان وسيف أبيض، عملة بنك، نشيد دموي موسيقاه طلقات رصاص، فريق رياضي للرماية، كتب أدبيات إرهابيس.. كل العالم موجود هنا
يشير بيان تأسيس دولة إرهابيس إلى أن من جاءوا إليها أرادوا خلق عالم بديل بعيدًا عن مرتزقة باسم القيم أو سماسرة باسم الثورة أو أنبياء يدعون العصمة في عصر النفاق، أو زعماء
يصنعون المجد من جماجم شعوبهم..ليبارك الله إرهابيس”
وينص دستور إرهابيس على أنها ليست دولة ولا مملكة ولا إمارة ولا إمبراطورية. هي عائلة تجمع منظمات وحركات شعارها “القوة أبدًا”
وتقول ماتيلدا مسؤولة المكتبة من بيان”الإثم والغفران”
“اقرأوا ولا تنظروا إلى الوراء، فالتاريخ ليس تحفة نعثر عليها في الأسواق القديمة، إنما نصنعه بما تبقى فينا من دم ساخن”
لدينا وسط الزوار الصحفي أمين الجزائري الذي ظل ساهرًا يقرأ دستور إرهابيس متعجبًا من وجود أمثال صدام والقذافي في إرهابيس
أو يجد تشي جيفارا يجلس مع قاتله في مقهى يبادله النكات
وفي جدول الزيارة نجد أداء صلاة الجمعة التي يؤم فيها بن لادن أتباعه وتكون متبوعة بغذاء معه ثم حفل فني يحيه فريق “أخوات الدم”
إنه عالم يدير إعلامه الألماني جوبلز
يصرخ الصحفي أمين في أبو قتادة الفلسطيني المقيم في لندن والملاحق من بلدان عديدة
“ألا تخجل من الفتاوى التي تصدرها في لندن، وترسلها كطرود مفخخة إلى الجزائريين، تبيح فيها قتل الأطفال، أليس لديك أطفال؟
هنا فقط يظهر ألم الكاتب كجزائري على مسرحية الرواية للقراء فهو يصرخ في هذا الرجل منيبًا عن كل أهل بلاده التي تعرضت للإرهاب والقتل والظلم على مدى سنوات طويلة
جاء وصف الأديب للأماكن المختلفة في الرواية بدقة ومهارة فكأن هذه الجزيرة في عين القارىء هي موجودة بالفعل يتجول في الضاحية الخضراء في شارع قندهار، أو يقرأ وصف الأديب: لساحة واسعة صحنها صخري متناسق ، وخلفها تمتد حديقة كبيرة، تزينها ورود متنوعة، وتتوسطها نافورة ينبجس من جنباتها ماء بألوان شتى، وتخرج منها مسلة برونزية على شكل رصاصة، علقت في قمتها ساعة تم تثبيت عقربيها على توقيت معين لنيويورك” وعندما يكمل القارىء هذا الوصف الشيق يعي لم تعمدوا تثبيت التوقيت
ومن المضحكات المبكيات تسمية المحلات والأماكن بأسماء غريبة مثل: حانة ال تي إن تي، أقمشة ألغام الموسم، مدرسة خليج الخنازير، حانة ١١ سبتمبر
ومن جميل الوصف الذي جاء به الأديب ما تحدث فيه عن مكتبة إرهابستان فكل المباني تتشابه في هذه الجزيرة إلا المكتبة فهي المميزة ..وكتبها مميزة أيضًا سردها علينا الأديب لغاية ما في نفسه تضفي على أهل الجزيرة صفات معينة، وكذلك تنبهنا إلى أعمال لابد من العودة إليها أو حتى إلى مقالات عنها كأدباء
وهنا لي سؤال لقراء العمل: هل مررتم مرور الكرام على هذا الكم من الأسماء التي كتبها لنا الأديب أم أنكم قرأتوا الأسماء كاملة لفهم القصد منها؟
الشخصيات صيغت بصورة تجعل القارىء يراها أثناء القراءة فها هو كوامي الأفريقي الضائع كمواطن وسط العالم والمغترب وسط زملاءه والجزيرة، وها هو جواد الباكستاني وحزام سرواله الذي يشده كثيرًا وكأنه يتحسس دومًا عبوة ناسفة ولكننا نفهم السر فيما بعد، وغيرهما من شخوص عشنا معهم طوال الرواية
لا استطيع التوقف عن اعجابي بكل أحداث الرواية وكذلك اللقاءات مع تشي وقاتله إلى لقاءات مع رجال للمافيا ومرتزقة ورموز الديكتاتورية في العالم وخاصة الحديث الذي دار بين هتلر وصدام والقذافي ومجموعة أخرى إذ أدار الكاتب الحوار كمن لو كانوا بالفعل أحياء غير أموات ينطق كل منهم بلسان حاله وجنون عظمته
جاء اسم أمين للمحرر الصحفي الجزائري موفقًا للغاية فهو أمين وله حظ من اسمه إذ نقل لنا بكل أمانة أحداث بلاده وأفكار الناس في شتى أنحاء العالم تجاه بلادهم .. أو كما يقول الأديب على لسان بن لادن:
“قاتلنا واحد، وإن اختلف عيار الرصاص الذي اخترق جسدينا”
ورغم أسى الرواية وما بها من آثام فإن الأديب كان يخفف من وطأة الأحزان بسخرية لاذعة موجهة للعالم أجمع، أو بدعابات خفيفة فها هي الألمانية بياتي تسخر من أمين قائلة
“كنت أعتقد أن العرب لا يعرفون جيفارا.. ولا يحسنون الغناء”
فيرد عليها بسخرية لاذعة قائلًا
“أنا كنت أعتقد الألمان معقدون من ماضيهم ولا يحسنون الدعابة”
فتصمت غير معجبة بالكلام
كذلك جاء موقف جون الذي كان لديه أزمة لمحاولة إنقاذ إحداهن ومحاولته اشراك مجموعة الصحفيين معه فينقلب الموقف إلى كوميديا
وموقف جيفارا الأخير وانسحابه من مجلس تكون ردود أفعال من اجتمعوا فيه باطلاق الرصاص في سقف المبنى
حتى الخاتمة أتتنا لتثبت روح الكاتب وحبه للتسرية عن قارئه
أدار الأديب العمل بحرفية شديدة ودقة وفن فلسفي في الوصف والأحداث ونظم كل هذا في عقد فريد أطلق عليه إرهابيس، صدمة للجميع حقًا وعمل يجعل القارىء منشده منذ مشاهدة صورة الغلاف وحتى الانتهاء من العمل لنعرف كيف جمعت إرهابيس بالدم الإثم والغفران
عمل يترجم ويدرس بالجامعات عربيًا وعالميًا، وخاصة الجامعات الدينية التي لا زالت المناهج بها تعج بما يجعل الشباب لا يعرفون التعامل سوى بالدم والإثم طلبًا لحور العين والجنان
أو كما يقول الأديب عن أحد العسكريين في الجزائر عام ٢٠٠٢
“لقد هزمنا الإرهاب، لكن التطرف لم يتأثر. إنه يصنع مزيدًا من الإرهابيين”
شكرًا سيدي عز الدين ميهوب على هذه الرواية الرائعة مع تمنياتي بالحصول على باقي أعمالك لقراءتها قريبًا
نو_ها
Azzedine Mihoubi – عزالدين ميهوبي