عندما تخوض نقاشًا مع شخصٍ ما حول قضايا الحياة أو العلم أو الأدب أو حتى الفلسفة، تجد نفسك أحيانًا أمام حائط من الجهل المركّب. هناك من يدّعي التطور والانفتاح، لكنه في الحقيقة أسير لأفكار ضيقة وأحكام مسبقة. أكثر ما يجرح في مثل هذه المواقف هو سماع كلمة “خرابيط”، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها التحقير لكلّ ما تُقدّمه من فكرٍ ومعرفة.
اللغة بحدّ ذاتها ليست المشكلة، بل السياق الذي تُقال فيه الكلمة، والنبرة التي تُقال بها. كلمة “خرابيط” تشير في معناها الأصلي إلى الخطأ أو الكلام غير المنطقي، ولكنّ استخدامها – هنا – يحمل استهزاءً وتجاهلًا لمجهودك الفكري. في تلك اللحظة، تجد نفسك أمام خيارين: إما أن تلتزم الصمت احترامًا لعقل المتلقي، أو أن تحاول إيصال فكرتك رغم إدراكك لغياب الأرضية المشتركة. ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يلحّ على ذهنك: ما الذي يدفع بعض الأشخاص لوصف الأفكار المختلفة أو الكتب العميقة بأنها “خرابيط”؟
قد يكون السبب الغَيرة، أو ربما الجهل الذي يُغلّف بالعجرفة. وربما هو مزيج من الاثنين معًا. لكنّ المؤكد هو أنّ مواجهة مثل هذه الردود تتطلب منك أن تتحلى بالصبر والمرونة، بدلاً من أن تترك هذه الكلمة تترك أثرًا سلبيًا في نفسك، حوّلها إلى فرصة للتأمل والبحث، فكّر في كيف يمكن استخدام هذه التجربة لتقديم منظور أعمق للقراء أو لجعلها درسًا للحياة.
حينما تُقابل مثل هذه الكلمات، تذكر أنّ الضحك أحيانًا يكون أفضل ردٍّ. فالضحك لا يعني الاستخفاف، بل هو تعبير عن تفهّمك لمحدودية الموقف. استمرّ في التفاعل مع الحياة بكلّ ما تحمله من متغيرات؛ لأنّ في مواجهة الجهل والتحدّيات تنمو الأفكار وتتسع الآفاق.
لعلّ أكثر ما يثري تجربتك في الحياة هو تلك اللحظات التي تشعر فيها بالتحدّي الفكري، سواء كان ذلك نتيجة ردود أفعال الآخرين أو بسبب اصطدامك بآراء معاكسة تمامًا لما تؤمن به. فعندما تُقال كلمة مثل “خرابيط”، ليس المقصود منها مجرد الرفض السطحي لما تقوله، بل هي أحيانًا انعكاسٌ لحالة من العجز عن فهم العمق أو رغبة دفينة في الدفاع عن منطقة الراحة الفكرية.
اسأل بهدوء: “ما الذي ترى أنه لا معنى له؟” أو “كيف يمكن أن نعيد النظر في هذا الموضوع من زاوية أخرى؟”. بهذه الطريقة، لا تُجبر الآخر على الموافقة على وجهة نظرك، ولكنك تفتح بابًا للنقاش أوسع.
التحدي الأجمل هو أن تستثمر هذه اللحظات لبناء سردية جديدة لفهمك الشخصي للعالم من حولك. كلمة “خرابيط” يمكن أن تصبح شرارة لتفكير أعمق حول معنى الأفكار التي نؤمن بها. قد تدفعك للبحث عن أصول تلك الفكرة أو تحسين طريقة تقديمك لها لتكون أقرب إلى العقلية التي تواجهها.
لكلّ إنسانٍ مستوى معيّن من الفهم، وإننا جميعًا في رحلة اكتشاف فكري لا تنتهي. هناك من يرى في العلم والفلسفة عبثًا، وهناك من يجد فيهما خلاصة المعنى. هذه الفروقات هي ما تجعلنا بشرًا مختلفين، ولكلٍّ منا تجربته وسياقه الخاص.
تلك اللحظات التي تشعر فيها بالإحباط بسبب ردود الآخرين هي نفسها اللحظات التي تعيد تشكيل وعيك وتقوي إرادتك في مواجهة العالم بكلّ ما يحمله من جهل وتعقيد.
في كلّ مواجهة فكرية، ستجد أنّ هناك شيئًا لتتعلمه. حتى من الأشخاص الذين يبدون أكثر صلابة في رفضهم أو استهزائهم، يمكنك أن تستخلص دروسًا حول طبيعة التفكير البشري، وحول نقاط ضعفك أو قوة حججك.
الحياة ليست ساحة معركة فكرية دائمًا، بل هي تجربة مستمرة نتعلّم فيها من التفاعلات، سواء كانت إيجابية أم سلبية. لا تكن ضحية لكلمات جارحة مثل “خرابيط”، بل استخدمها كوقود لتطورك. حاول أن ترى كلّ تعليق أو ملاحظة، مهما بدت سلبية، كفرصة للتأمل والبحث عن أعماق جديدة داخل نفسك.
أ. فؤاد الجشي