مراجعة :شهيرة ابراهيم التركماني
انتهيت من رواية بذلة_الغوص_و_الفراشة للصحفي الفرنسي جون_دومينيك_بوبيو هو رئيس تحرير مجلة Elle الفرنسية سابقاً. و تم نشر هذه الرواية القصيرة عام 1997 (قبل وفاته بفترة قصيرة). “بذلة الغوص والفراشة” هي سيرة ذاتية كتبها الصحفي الفرنسي جون دومينيك بوبي بعد إصابته بجلطة دماغية نادرة أدت إلى إصابته بمتلازمة الحبس الكامل (Locked-in Syndrome) نتيجة سكتة دماغية حادة، بحيث أصبح مشلولاً بالكامل تقريباً، مع احتفاظه بوعيه الكامل وقدرته على تحريك جفن واحد فقط، و هو جفن عينه اليسرى. كتب الرواية عبر رمش العين، حيث كان يملي الحروف واحدة تلو الأخرى على مساعدته، في تجربة استثنائية للإرادة الإنسانية حيث ان طريقة الإملاء هذه تعتبر نظاما معقدا من اختيار الحروف، مما يجعل العمل بحد ذاته معجزة إنسانية. تدور الرواية حول معاناة بوبي بعد إصابته بالشلل الكامل، حيث يشبّه جسده ببذلة غوص ثقيلة تخنقه وتقيّده، بينما الفراشة ترمز الى خياله و روحه الحرة الخفيفة القادرة على الطيران و ترفرف بحرية في عالم الذكريات والأحلام بعيدا عن السجن الجسدي الرواية ليست سرداً متسلسلاً تقليدياً، بل هي عبارة عن خواطر وتأملات وشذرات من الذاكرة، تختلط فيها السيرة الذاتية بالأحلام والألم والفكاهة الخفية.
يتحدث بوبي عن علاقته بعائلته، ذكرياته، أحلامه، وحتى رغبته في الأكل، الحب، السفر، ومعاناته اليومية مع مرضه. ينتقل السرد بين ماضيه المليء بالحركة والنجاح وحاضره الساكن، ويستعرض علاقاته بأسرته وطاقم المستشفى، ويصف تفاصيل يومية بسيطة أصبحت أمنيات بعيدة المنال.
الأسلوب واللغة
النص مكتوب بأسلوب شذري مكثف للغاية، كل كلمة مختارة بعناية، نتيجة لصعوبة الكتابة. لا يوجد حشو أو إطناب و الكتابة تحمل طابعاً شعرياً أحياناً، وعمقاً فلسفياً نابعاً من معاناة حقيقية، كل فصل أو مقطع يمثل فكرة أو ذكرى أو إحساس منفصل، دون ترابط زمني أو سردي تقليدي. يغلب على النص التأمل والفكاهة السوداء، ويبتعد عن الشفقة أو الرثاء، بل يركز على قوة الإرادة والبحث عن معنى للحياة رغم القيد الجسدي.
تعد الرواية إنجازًا إنسانيًا وأدبيًا فريدًا، ليس فقط بسبب ظروف كتابتها، بل أيضًا في قدرتها على نقل معاناة وأمل إنسان فقد كل شيء تقريبًا إلا وعيه وإرادته. بعد ثلاثة أيام فقط من نشر الكتاب، توفي بوبي، تاركًا وراءه شهادة مؤثرة على قوة الروح البشرية.
يحمل هذا النص رغم قصره ثيمات هامة :
مثلا الحرية مقابل الأسر: رغم أن جسده محبوس، فإن خياله وفكره طليق.
الذاكرة: كيف تشكل الذكريات ملجأ للإنسان في لحظات العجز.
الكرامة الإنسانية: الدفاع عن حق الإنسان في أن يعيش ويحلم حتى في أقسى الظروف.
قوة الإرادة: الرواية شهادة على أن الإرادة قادرة أن تصنع معجزات حتى تحت أسوأ الظروف الجسدية.
الكتاب درس عميق في الصبر والإرادة، و لكن وجدت أن السرد رتيب بسبب طبيعته الشذرية والمتناثرة مع أن التجربة الإنسانية للكاتب استثنائية وتدعو للتأمل في قيمة الحياة وتفاصيلها الصغيرة. “بذلة الغوص والفراشة” ليست مجرد سيرة مرض، بل هي تأمل فلسفي في معنى الحياة والأمل، وتجربة أدبية وإنسانية نادرة تبرز قدرة الإنسان على الإبداع والتواصل رغم أقسى الظروف وأن الحياة تستحق أن تُعاش،حتى لوكانت مقيدة بجفن واحد فقط كما تعلمنا تقدير التفاصيل الصغيرة، والإحساس العميق بالامتنان لكل ما نملكه عادةً دون تفكير.
رواية رغم قصرها وجدتها ثقيلة جدا في القراءة كثقل الجسد المحبوس في اصابته..