(مقاطع وفصول ترصد ما بقي ماثلا في العيون والرأس من غبار الذكريات لقصة لم تتم، وتقترب في صياغتها من شعر التفعيلة)
كتابة، ورصد ونص: محمد الجلواح
1444هـ، 2023م
الأحساء
1
سَـآتي إليكِ،
وإنِّي لآتْ ..
وإنْ سُـدَّ بابٌ
سأطْـرُقُهُ فاتِحاً
غازياً ..
سأطرُقُه شاعراً
عاشقاً .. !
سأدعو به الذّكرياتْ !
2
سآتي إليكِ..
سأرجَعُ لليومِ
ذاك الذي
يُشاغِـبُني في خطوط يدي
وفي عينِ عـيْـني
ويُشْغِـلُني ..
بالْـتِقاطِ الـفُـتاتْ ..
3
سآتي إليكِ..
فلا تُوصِـدي البابَ صَـدّاً
فإنّ المسافاتِ قد أُحْــرِقَـتْ
بِـلَوْنِ فـساتِـينكِ الزاهِـياتْ
وإنّ (الجدارَ العريضَ)1
يَـنُـثُّ هَواءً رطِيبا..
يَـنُـثُّ بَـخُـوراً، وأنتِ هناكَ
تطوفينَ فوق السّؤالِ،
وتأسُـرُكِ الأُمنياتْ !
4
سآتي إليكِ..
وإنْ كان ذلكَ وَهْـماً،
وحُلْـماً وضَـرْباً
من المُستحيلْ
سآتي
فَـيَـرْكُلـُني الغُـرَباءُ،
وأبقى غريبا على الغُـرباءِ،
وأبقى الدَّخيلْ!
5
سآتيكِ زحْـفاً،
وصَـوْتاً، وهَمْساً
وإن صَـدّني الوقتُ، والخوفُ ..
أو دافَـعَـتْـني الكُـفُـوفْ
وإنْ قيلَ لي: أنتَ.. مَنْ أنت؟ ..
سآتيكِ ضَـيْفا
فهل تطرُدينَ الضُّـيوفْ؟!
6
سأطْـرُقُ حتما مدينتَـكِ الصّـاخِـبة ..
وأصْـرَخُ في كلِّ (طابوقةٍ)
تعالَتْ على الطّـينِ،
والسَّـقْـفِ الذي من (جُدُوع) النّخيل،2
والرَّمْل ِالذي تَـيَـمَّـمْتِ منهُ
أمامَ (اللواوين)3
وخَـبّأْتِ بين (حُـصَـيّـاتِهِ)
رمادَ السِّـنينِ،
وأحلامَـكِ الكاذبة .
7
سآتي إليكِ..
بقلبي الذي ضَـجَّ شِـعْـراً،
وقالَ حروفَـكِ
بين المُحيطات.. جَهْـرا
وَوَهْـماً، وعُـمْـرا ..
وكانَ الفؤادُ على الوجْـدِ
والوَهْـمِ..
مُتَّـكِئا بلا سَفَـرٍ،
وقد عادَ طِـفْـلا
وإنْ عاشَ دَهْـرا!
8
هُـناكْ
ورغم تلاشي المكانِ،
اختفاءِ الأثَـرْ ..
تُـعِـيْدُ (النُّـتُوءاتُ) أسماءَها،
وأشكالَها، وألوانَها،
وتُعِـيدُ الصُّوَرْ
ورَغْـم غياب (القَـمَـرْ)
فقد أَلِـفَـتْــكِ النُّـتُوءاتُ
تلكْ
كما أَلِـفَـتْ (سدرةُ الدار)
أغصانَها، والحَـجَـرْ
سآتي إليكِ..
أُشَــذِّبُ أغْـصانَها
فأفْــزَعُ مِنْ (قَـدَح الماءِ)..
تَـصُبِّـيـنهُ فوق ظَهْـري،
فَيَبْرَدُ ظَـهْري،
ولكنَّ نِـيرانَ قلبي
تَهُـبُّ عليه لوافحُها،
وأنتظر الماءَ
ليطفئَ ناري،
ويُـنـْعِـشَ صدري!
9
سآتي إليكِ..
ويُمْـنايَ تَحمِلُ
(حُـزْمَةَ مَشْـمُومٍ) (حَـساويْ)،4
ويُـسْـرايَ..
بها (زَنْجَـبيلْ)..
سآتي إليكِ..
وإني لآتْ ..
سآتي ..
بِكُلّ الحمَاقاتِ،
والشّوقِ، والأغنياتْ ..
يجيءُ بها الحزنُ، والوقتُ،
و(العصرُ)، والأمْسِـياتْ:
“كم تذكرت سويعات الأصيل ..
وصدى الهَـمَـســاتِ ما بين النخيل
إنتَ في حبّـكْ، وانا في حبي
وأرى الذكرى دواءً للعليل
فاتق الله .. في حبي يا حبيب “5
سأرْقُـبُ صوتَـكِ..
يَنْـسَـلُّ بين (الفوانيسِ)،6
و(الدَّراريع)،7
و(البوشيات)8، والأحْـزِمة:
” حبّك أسرني، ودلالك غـيّر ألواني ..
الشوق أمرني.. أطيعك وانسى خلاني “9
سأقْـبَـضُ مِن فتحةِ البابِ
على ذلك الصّوتِ ..
صوتِـكِ الذي أُمَـيِّـزُهُ
بين الوجوهِ،
وبين الحُـشُـودْ
سأُبْـقِـي عليه
لآخِـر نُـقْـطَـةٍ في دمي
برغم الصدودْ!
وحين أُهَرْوِلُ نحوَكِ
سأحمِـلُ كلَّ تفاصيل (الفريق) 10..:
بـ(دروازة) آبائنا..11
وأيّـامِهمْ، وأيامِـهِ
(بِعَـْرَصَـتِهِ)12،
و(مِـعْـيـَدِهِ)13
و(صَـوابيطه)،14
وركْـضٍ يلفُّ (الصَّكيكَ)15 بجدرانِهِ..
وأَفـْرشُها بين عينيكِ
وإنْ غُـشِـيَــتْ بالجُـحودْ !
10
سآتي إليكِ..
بثَـوْبٍ جديدٍ، ولحنٍ جديدٍ
بلا (غترة) 16
(أطقطق) 17 ..
فوق (قواطي) 18 الحليب !
سآتيك عند الأصيلْ،
وعند المغيب ..
غبيا، وغِـرّاً
يُـزَمْجر في كلّ شيء
وطيشا وقـَفْــزا إلى المستحيلْ!
سآتي وإن سُــدَّ
عني السبيل ..
سآتيك بالروح
والحلم والعين
وقَـعْـقَـعَــةٍ مُهِرَتْ
كصلاة مقدسة
وماثلةٍ في الوريد
ومالي إليك سبيلْ!
سآتي
وان كنتِ لم تأتني مرة،
ـ ولو مرة ـ .. في منامي
سآتيكِ،
وإن كنتُ في ذاك
أهذي، (أخربط) 19 ،
أكتب لغوا أُسَطِّـرُه ..
فـيُـجـيبُ الرحيلْ
* شاعر وأديب سعودي من الأحساء ـ القارَة، عضوٌ مُؤَسِّـسٌ لنادي الأحساء الأدبي، له إصدارات شعرية ونثرية.
1- امتازت جدران الطين في البيوت الطينية القديمة بحجمها العريض، الذي يساعد على امتصاص الحرارة، وتبريد غرف المنزل صيفا، والدفء شتاءً.
2- أي جذوع النخيل، وتُـنْطَقُ في الأحساء، والخليج بالدّال المهملة، وكانت جذوع النخيل تستخدم لسقف أغلب منازل الطين والطرق المسقوفة(السوابيط)، وعروش البساتين في الأحساء والخليج ..
3- اللواوين .. جمع ليوان .. وهو الغرفة في المنزل القديم ..
4- (المشموم الحساوي)..هو صنف من الريحان، والحبق الزكي الرائحة، وقد امتاز برائحته الطيبة القوية التي يمكنك أن تشمها من بعيد، ولمدة طويلة ..
5- هذا مطلع أغنية (سويعات الأصيل) للمطرب السعودي الراحل طلال مداح، وهي من أغنياته المشهورة التي كان تتردد بين أبناء المملكة والخليج .
6- الفوانيس .. جمع فانوس، وهو السراج الشعبي المعروف، وكان يستخدم في الأحساء والخليج إلى وقت قريب، ووقوده (الكاز/ الكيروسين)، وينطق في مدينة القارة بالأحساء بالصاد فيقال .. فانوص ..
7- الدراريع .. جمع دِرّاعة .. أي : ثوب وفستان المرأة والفتاة في السابق ..
8- البوشيات .. جمع بوشية : هي الغطاء القماشي الرقيق لوجه المرأة، وقد تكون الكلمة آرامية، أو هندية ..
9- (آه يا لَـسْـمَـرْ .. يا زين)؛ للمطرب الكويتي عبد الكريم عبد القادر، وهي من بين أشهر أغنياته التي كان الخليجيون يرددونها في كل أقطارهم في التسعينات الهجرية، والسبعينات الميلادية الماضية، ويُعَبِّرون بها عن مشاعرهم الجائشة آنذاك ..
10- الفريق .. أي: الحارة، ومحلة السكن والبيوت المتجاورة، وينطق محليا في بعض مدن وقرى الأحساء والخليج : الفـِـرِيــج.
11- الدّروازة : ساحة صغيرة كانت موجودة في مقدمة (الفريق) بالقارَة، وهي ملتقى واستراحة ومقعداً لمعظم سكانه، عصر كل يوم بعد عودتهم من أعمالهم .، والكلمة فارسية معناها الطريق أو البوابة ..
12- العرصة : ساحة واسعة في قلب (الفريق) بالقارَة تحيطها المنازل ومداخل البيوت الداخلية، كما أنها مكان يلعب فيه صبيان الفريق ..
13- المِعـْيَـد: مكان مسقوف يشبه العاير يؤدي إلى ثلاثة اتجاهات، وسمي بذلك: لتجمع الناس فيه يوم العيد (منطقة تَجَمّع)، وانطلاقتهم إلى بقية الجهات بالقرية .
14- الصوابيط : جمع (صاباط)، أو ساباط : وهو الطريق المسقوف قديماً .
15- الصكّة : بالصاد .. هي (السِّكة) المعروفة، والطريق الضيق الذي به أبواب المنازل.
16- هي اللباس القماشي الذي يضعه الرجل والشاب على رأسه .
17- أطققط : استخدام علبتين من علب الحليب السائل كطبل .
18- القواطي .. جمع قوطي، وهي كلمة شعبية تعني علبة السوائل المعدنية الفارغة
19- كلمة شعبية تعني الكلام غير المتزن أو المفهوم أو المركّز ..