للتوضيح بدايةً، لست متخصِّصاً
في الأدب المقارن، بل هاوياً،
مثلي ومثلكم
(عنيت أصدقائي فقط)، لذا قلت:
“لنتعلَّم معاً”، كي أزيل الالتباس،
من أوَّل الطريق.
..
في الأدبِ المُقارن (*)
بصورة عامة ندرس التشابه
بين أدبيّن من لغتين مختلفتين،
ونستخدم تعبير الموازنة بين أدبين
من نفس اللغة، وهناك مدرسة
فرنسيَّة متشدِّدة، ومدرسة أمريكيَّة
براغماتية أكثر وبالتالي متساهلة.
هناك مشكلة أخرى أيضاً،
أن تعبير الأدب المقارن هو مجازي،
باعتبار هو نقد ودراسة ومقارنة،
أكثر مما هو أدب بحدِّ ذاته.
..
أحببت أن آخذكم أصدقائي،
في نزهة “غير قصيرة”
لمن يرغب – إلى عالم
(دراسة ومقارنة الأدب)،
وأدرج بعض المعلومات الإضافيَّة
عن الموضوع في نهاية المنشور،
لمن يحبُّ الاستزادة، ولكنَّني
سأستخدم تعبير الأدب المقارن
كالأميركيين، ولن أستخدم
تعبير الموازنة “الضبابي”،
كما أراه.
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
أمَّا كيف يمكن أن نتعلَّم
الأدب المقارن ببساطة،
فأهديكم بعض الحروف
آملاً أن تكون ممتعة ومفيدة لكم،
حول هذا الموضوع الواسع والشائك.
..
وعليه، أدرج لكم، فيما يلي أدناه
قطعتين أدبيَّتين من الشعر اللبناني المحكي،
الأولى للشاعر الأستاذ إياد أبو علي
والثانية للشاعر الأستاذ مارون أبو شقرا.
مع الإشارة، إلى أنَّ فحوى رأينا المتواضع هنا قد تنطبق أيضاً على الأدب المحكي السوري، والفلسطيني، والأردني، والعراقي، وكافة اللهجات القريبة الى حدٍّ ما. طبعاً، دراسة الأدب المحكي المصري، والسوداني، والخليجي، والمغاربي، له عناصره الجماليَّة المختلفة، وقد يحتاج الى مقاربة مختلفة، لخصوصيَّة كلُّ منطقة جغرافيَّة،
بطبيعة الحال.
..
القطعة الأولى
اااااااااااااااااااااااااااااا
بِـ جنينتا في حسّون
قلتلّو: فوت تدفّا
قلّي:” يا شاعر ممنون
الـ خالِقني كفّى ووفّى”.
(إياد أبي علي)
..
القطعة الثانية
اااااااااااااااااااااااااااااا
الإزميل قال: “ارتَحتْ
لَمّا الحلا فَضّى
كلّ الرّسم والنَّحْتْ
بالتّحفِةْ اللي تَحْتْ
خلخالِك الفضّه”.
(مارون أبو شقرا)
..
في هاتين القطعتين أو القصيدتين
بالمعنى المجازي، نقرأ خمس ملاحظات:
..
١) حجم القصيدة: قصير جداً، وبالتالي عصري جداً، الناس لم تعد تملك
ترف الوقت للشعر والأدب والفنون،
وتحتاج الى “أدب فاست فود”.
..
٢) مستوى البلاغة واحد : لا يمكن زيادة حرف أو انقاص حرف، والمعاني مرصوصة إلى الحد الأقصى، من قوَّة المِراس، ودرجة عناية الشاعر بأدبه وصورته وقصيدته.
..
٣) العنصر القصصي : مكتمل في الحالتين، في الأولى حوار كامل بين الشاعر والحسُّون، وفي الثانية، أخبرنا الشاعر ماذا قال الإزميل فأثار تعجُّبَنا، ثم شرح لنا فيما تلا، سبب ارتياح الإزميل الذي أصلاً، “نادراً ما يتعب”.
..
٤) مستوى الجمال الأدبي والشعري الرفيع، من نوع السهل المُمتَنَع في القطعتين، أي شخص آخر قد يقول، أنا أكتب مثل هذا، ولكن ربَّما يوفق مرَّة أو أكثر، ولكنَّ الفن أن يتحوَّل هذا الأسلوب المكتشف في أعماق ذواتنا، إلى نهج أدبي يطبع كافة أعمالنا دون الوقوع في رتابة التكرار من جهة ثانية، فكل عمل يجب أن يحمل مفاجآته السَّارة والجديدة للقارئ النهم الشغوف، وللقارئ العادي المُنهك بقضايا أخرى لا تخصُّ الشعرَ والأدب.
..
٥) أخيراً، الشاعران متخصّصان بالشعر المنبري، مع أن أكثر من نصف الشعر هو حفظٌ وإلقاء، من يوم ولد الشعر، ولكن في عصرنا هذا، نكسب من وسائل الطباعة والانترنت، لننشر دون امتحان الإلقاء العسير، وعلاماته اللاغية.
لا علينا، نعود لنقول أنَّ الشاعران متخصِّصَين بالإلقاء، ولهذا يضعان “قنبلة الدهشة”، في قفلة القطعة الأدبيَّة، فيبقى القارئ بل المستمع مشدوداً، كمن يسحبه القطار، ولا يدري إلى أين، إلى أن تلمع برقة الجمال في لحظة واحدة أمام عينيه، فيتجمَّد متعجباً، معجباً، ومندهشا. والإثبات على القول: أنَّ حتى كلمة “ممنون”، لم يحصل المستمع على جرعة الإعجاب التي ينتظرها في نص الأستاذ أبو علي، وكذلك حتى كلمة “تحت”، في القطعة الثانية مثلآ، فأنا كقارئ وكمستمع كنت ضائعاً، إلى أن صعقني تيَّار القفلة، فأيقظ إحساسي، ومشاعري، وذائقة الجمال النائمةِ في ضميري.
..
ملاحظة أخيرة:
ااااااااااااااااااااااا
لأكون منصفاً .. ومرتاح الضمير، أوضح أنَّني لم أقرأ ما يكفي للشاعرين لأحسن اختيار النصَّين المقارنين، بسبب ضغوط الوقت والعمل، بل تناولت بالصدفة، آخر عملين أولاً للأستاذ أبو شقرا، وبعده للأستاذ أبو علي.
والخلاصة أنَّني أميل أكثر لقوة النقطة الخامسة أعلاه، والتي أسميتها ” قنبلة الدهشة والقفلة” بلغتي العسكريَّة الحبيبة، في نص الأستاذ مارون، الذي وقع في يدي بالصدفة. لذا أجد نفسي مجبراً على نشر قصيدة أخرى للأستاذ أبو علي مرَّةً ثانية خلال أسبوعٍ واحد، لأنصف القارئ، في معرفة مفاعيل هذه القنبلة الصاعقة، في أدب الشاعر إياد أبو علي، وهي لمحاسن الصدف وحظي الجميل قد كتبت في تقديم الشاعر مارون أبو شقرا.
..
سامحونا على الإطالة، فالعمل النقدي لا يجيز الأخطاء، ولا الإغفال، ولا نملك بلاغة الشاعرين المجلِّيين، لنختصر أفكارنا في عشر كلمات لا أكثر.
..
بروكسيل ١٤ / ١ / ٢٠٢٤
فادي الدّمشقي
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
بس قلت بدّي قول ميّة سرّ :
صار الحكي مسنون
بس قلت بدّي جنون بحر وبرّ :
صار الحكي نيرون
بس قلت بدّي كون مرّه حرّ :
صار الحكي وْلَكْ كون
بس قلت بدّي شي حلو شي مرّ :
صار الحكي مجنون
بس قلت بدّي يا ورد شي زر
بدّي خبز عم يوسَع ويِسمرّ
بدّي حكي بيلبق إلو ينغرّ :
صار الحكي مارون
..
(إياد أبي علي في 27-3-2014)
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
*) الأدب المقارن والموازنة
موجز عن الإنترنت أعدَّه فادي الدّمشقي
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
ما هو الأدب المقارن؟ يُعرف الأدب المقارن بالإنجليزية (Comparative Literature)، بأنه الاهتمام بدراسة الأدب بمختلف الثقافات والأمم بأنواعها كافّة، وتحليل العلاقات بين الأدب وأشكال التعبير الثقافي كافّة، كما أنه يحث على طرح أسئلة متخصصة حول مكانة الأدب في المجتمع، وعن علاقة تغيّر أنماط الأدب بتغيّر الزمن، وعن أشكال الفنون الأخرى، وعن كيفية تأثير أو بالأحرى تشكيل الأدب للحركات الاجتماعية والقيم والمسارات السياسية ومدى استجابته لها كافة.
..
المقارنة والموازنة هما نوعان من التقنيات التي يتم استخدامها في الكتابة والخطابة لإظهار التشابه أو الاختلاف بين شيئين مختلفين، ولكن يوجد فرق بينهما:
..
المقارنة: تستخدم لإظهار التشابه بين شيئين مختلفين من خلال الإشارة إلى الصفات المشتركة بينهما، ويتم ذلك عادةً من خلال استخدام عبارات مثل “مثل” أو “ك” أو “شبيه بـ” وما إلى ذلك. على سبيل المثال: “الحيوانات تشبه البشر في حاجتها للطعام والشراب والنوم”.
..
الموازنة: تستخدم لإظهار الاختلاف بين شيئين مختلفين من خلال الإشارة إلى الصفات التي تميز كل منهما عن الآخر، ويتم ذلك عادةً من خلال استخدام عبارات مثل “أما” أو “بينما” وما إلى ذلك. على سبيل المثال: “البشر يمتلكون القدرة على التفكير والتحدث، بينما الحيوانات لا تمتلك هذه القدرات”.
..
وبشكل عام، يمكن القول إن المقارنة تعني التشابه بين شيئين، بينما الموازنة تعني الاختلاف بينهما.
..
كما أن مصطلح (الأدب المقارن) غير دقيق في مدلوله على المراد، لأن الأدب المقارن منهج في الدراسة وليس أدباً إبداعيًاً، والصواب أن يقال في المصطلح: (الدراسة المقارنة للأدب) أو نحو ذلك من المصطلحات، لكن مصطلح (الأدب المقارن) شاع وذاع وراج بين الباحثين لخفته وسهولته.