دراسة تحليلية نقدية لرواية “دروب وجلجلة” للكاتب جورج شكيب سعادة بقلم شروق مجدي.

دروب وجلجلة عنوان يوحي بوجود مصاعب ومتاعب، عناء وشقاء، أهدى الكاتب روايته لكل طفل لبناني مما يدل على إحساسه المرهف وعاطفته الجياشة. الرواية واقعية اجتماعية، ذلك رغم ما نوه إليه دكتور جورج من الأحداث التاريخية وإنما أبدع في تصوير الواقع ووصف المشاهد، كما برع في السرد؛ فقد سرد الأحداث على لسان راوٍ عليم، تميز دكتور جورج ببساطة لغة الحوار فقد استطاع إخراج ما بداخل كل شخصية من شخصيات الرواية من مشاعر دفينة، هذا دليل على صدق مشاعر المؤلف وإحساسه العالي استخدم كلمات لها دلالة على وحدة الجو النفسي، وهي ذات ألوان لها رمزية مثل الضباب والغمام، والرماد. الجمر المشتعل رمز للثورة والغضب والوجع، والتهاب المشاعر. أبهرني دكتور جورج بوصفه للمشاعر المضطربة فقد اتسم بروعة الخيال والصور البلاغية الجميلة كما تميز بفصاحة اللسان وبساطة الأسلوب والألفاظ وقوة الوصف للمشاعر المتصارعة المتضاربة. طرح الكاتب مشكلة هامة وهي مشكلة الهجرة والتهجير والحروب الأهلية واصفا الأحداث وصفا دقيقًا، مصورا للواقع المرير حتى عند قراءتي للرواية تخيلت نفسي سائرة في شوارع لبنان أو جالسة في أحد بيوتها، وهو ممسك بكاميرا يصف لي ما يحدث لحظة بلحظة. أرى الرواية متكاملة العناصر؛ زمان ومكان، شخصيات محورية وأساسية، عنوان جانبي في الفصل الأول “فلسطيني قاتل وفلسطيني منقذ” في هذا العنوان صور الكاتب بمشاعره الفياضة تعذيب الضمير لدى شعب فلسطين ومدى نسيان الناس للتاريخ فقد توافرت في الكاتب صفات النزاهة والحيادية؛ فقد أشار إلى فكرة المواطنة ومدى التعايش بين المسلم والمسيحي كتلة واحدة ونسيجًا واحدًا، صور الحنين إلى الوطن بمنتهى البراءة؛ شعور داخل الطفلة بأن منال ليست أمها ووائل ليس أباها، تذكر أن أباها سليم نام، لكنها لا تعلم هل نام نومًا أبديا أم مجرد رقاد؟ تذكر حضن أمها ذاكرة المكان الذي كانت فيه برفقة ابيها، لكن كلها صور ضبابية تختزن في ذاكرتها. تتوالى الأحداث تكبر بطلة الرواية التي أخذت ثلاثة أسماء: لميس عند ولادتها؛ وذلك لحسن مظهرها وهيفاء عندما ذهبت لبيت منال؛ أيضا لأنها فائقة الجمال ورالي عند انتقالها لميتم الراهبات. لكن أكثر الأسماء يليق بشخصيتها هو رالي؛ لما تمتعت به من ثقة وكيان مستقل، اسم رالي معناه المحاربة القوية الشجاعة فسوف تحارب ما يقابلها في المستقبل من صعاب وتتصارع مع عائلة الحلبي.

تعيش في عالمها شريدة وحيدة، تبحث عن تفسير ما رأته في الحلم كأنها ترى شريط حياتها وما ينتظرها، الغرفة هي الغرفة التي سيتم حجزها بها في المستشفى عندما تصاب بالسرطان. والازدحام والصخب التفاف الناس حولها والشاب الوسيم هو حبيبها وزوجها شبل الأسمر ،الكأسان ابنتاها رنا وهبة، والوردة الذابلة هي فقد ماتت وكانت النهاية حزينة سعيدة، سعيدة حينما لقيت أمها ميسى وحزينة بموت لميس أو هيفاء أو رالي، الصور المشوشة هي ذكرياتها وأمها ميسى التي تختزن لها صورًا ضبابية، ضاعت منها وهي لا تزال صغيرة كان اللقاء؛ لكن دون أن تعرفها، رأتها بشكلها المتغير ووجهها الشاحب عروسًا ترتدي فستانها الأبيض, لكن نجح الكاتب في حل العقدة ومعرفة الوصول إلى لميس؛ فيتميز دكتور جورج في كتابته بالتشويق والإثارة. لكنه تأثر بمؤثرات عدة في الرواية منها: ١ -تصارع وتضارب المشاعر أو هذا هو حال بلده، يوم فرح وأيام حزن، كما كتبت رالي ذكرياتها فكانت سطور فرح وصفحات حزن استخدم كلمات لها سيميائية مثل محفظة تحفظ بها ذكرياتها مدى الحياة وعندما ضاعت ردت إليها بواسطة أستاذها الذي أهداها بها، وكانت هدية ذات قيمة كبيرة عند رالي من مستر هنري معلمها بالمدرسة. ٢- تأثر بدراسته وتخصصه في اللغة العربية فقد احتوت الرواية صورًا جمالية توحي بجمال طبيعة درة الشرق لبنان، ٣- هكذا تأثر بالساحرة لبنان وصف جمال طبيعتها حتى أن ذهبت رالي في الرحلات المدرسية، وقد نوه لزيارتهم لأماكن تاريخية؛ كقصر شهاب الدين لماذا لم يصفه من الداخل كي نعلم عن آثار عروس الشرق وبلاد الشام؟ ذهبوا بقيادة معلم الرياضيات لمَ لم يكن معلم التاريخ؟ ٤- تأثر بالمدرسة الرومانسية الطبيعية الواقعية. استعمل دكتور جورج حركات لها رمزية فأثناء ما كانت رالي تعيش في كنف عائلة الحلبي دعوا رالي ونسب للمدرسة بسبب تشتت انتباه رالي وشرودها الدائم وعدم اهتمامها بالدروس، تسير نسب بالسيارة ورالي على قدميها لا تتقابلان إلا في مفترقات بسيطة قليلة هذا دليل على عدم التفاهم والانسجام بينهما إلا في أقل الأشياء وأضعف النقاط. وضع دكتور جورج إصبعه على مشكلات هامة منها اغتراب الأطفال فقدم صورة صادمة لواقع المجتمع الغربي وأشار إلى عمل الصغار في الغربة كخدام أو غير ذلك، ويتلقون أسوأ معاملة وحرمانهم من متعة الطفولة ومشكلة أخرى هي التجارة بالفتيات؛ لكسب المال أو تحقيق مصلحة دون العناية بعاطفتها ولا رغبتها. من الخصائص المميزة لرواية دروب وجلجلة وجود نغم في الكلمات مثل شوك وشوق جناس ناقص يعطي جرسًا موسيقيًا نغم في الحروف حرف الحاء: حاء حب، حرب حرية.ومن أهم العناصر المميزة للرواية حبك العقدة. يتولد الصراع وصراع شبل مع أفكاره تركها بسبب سوء معاملة عائلة الحلبي له، قرر الاستماتة في الصراع وينتصر ،أدرك أن هذا الصوت ليس صوته وإنما صوت ضعيف داخله. استطاع المؤلف تحقيق التوازن بين القلب والعقل، رالي وشبل اسمان يدلان على القوة والشجاعة استطاعت رالي الحفاظ على حريتها وكرامتها استبسلت في تمردها وعنادها هزمت بالفن صمتها كسرت الحاجز وخرجت من سكوتها.