بقلم الباحثة: أمل طعان جفال
تميز لبنان بمعالمه ومواقعه الأثرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، وابرز معالمه القلاع التاريخية هذه المعالم التي تجذب السياح لزيارتها والاطلاع على الحضارات التي توالت عليه رغم صغر مساحته
قلعة شقيف آرنون هذه القلعة الجميلة المميزة بموقعها، وهندستها وتصميمها. نظرًا لموقعها على قمة تشرف على المنطقة من كل الجهات ، شهدت القلعة أحداثًا تاريخية مختلفة بدأت مع العصور القديمة وانتهت بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. واليوم هي من المواقع الأثرية التي تجذب العديد من الزائرين المحليين والأجانب
تقع قلعة الشقيف في منطقة أرنون الجنوبية، قضاء النبطية وترتفع عن سطح البحر تقريبا 710 أمتار
أطلق عليها أسماء مختلفة؛ فالمؤرخون العرب اسموها “شقيف أرنون” ولفظة الشقيف هي سريانية الأصل معناها الصخر الشاهق. والأجانب أطلقوا عليها (Belfort او Beaufort )أي الحصن الجميل
يقول البعض أن تاريخ بنائها يعود إلى ما قبل العام 1125م، فيما يرى مؤرخون أنها تعود إلى ما قبل الحروب الصليبية بسنوات عديدة، أي بناها الرومان وزاد الصليبيين أبنيتها، وتم ترميم القلعة في أكثر من عصر وتاريخ. الأمير فخرالدين المعني الثاني جعل منها حصناً منيعاً أثناء حروبه مع الأتراك واتخذها مركزاً لخزينته إلى أن أصبحت شبه مدمرة بعد الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة التي استهدفتها خلال العقود الثلاثة من القرن العشرين
. قلعة الشقيف مكونة من عدة طوابق تأخذك بجولة لعدة حضارات من خلال تصميمها والتعديلات المميزة بداخلها فكل طابق منها مبني بحضارة معينة ،من الرومانيين الصليبيين إلى العثمانيين. وهي موقع مراقبة للغزاة، وكانت هذه القلعة تؤمن الاكتفاء الذاتي لمن يسكنها نظراً لطريقة بنائها المدروسة، حيث إنها تجمع مياه الشتاء على سطحها بطريقة تمكّن من الاستفادة منها طيلة أيام السنة. وتتميز بعلو موقعها من جهة الخردلي الليطاني، ومن الجهة الثانية أرنون إضافة الى الخندق الذي كان يمنع دخول الغزاة ولها مدخل واحد من الجنوب، شكلها مثلث الزوايا، قياسها (160) م طولا (100) م عرضا، يحيط بها من بقية جهاتها آبار محفورة في الصخر ويحميها من الجهة الشرقية مجرى ماء مهيب يعرف بالخردلي أو الليطاني .وتميزت بوجود في الغرب صهاريج فيها أحواض عديدة حفرت في الصخر الصلد مسقوفة بعقود حجرية، ومن الشمال حوض قسم منه محفور في الصخر، وقسم يقوم عليه بناء، وجدرانها المحيطة بها منحدرة وفي داخل القلعة أحواض كثيرة كان يجتمع فيها من المياه ما يسد حاجة المحاصرين فيها مدة الحصار.
وهي محاطة من الجنوب ومن الغرب بهوة عميقة محفورة في الصخر عمقها 15 م إلى 36 م. أما من الجنوب فقد تتصل القلعة بذروة الجبل ومدخلها الى الجنوب الشرقي وطولها 120 م وعمقها 35 م، ومن طرفها الشمالي بناء ناتئ طوله 21 م متجها الى الشرق. وفناؤها في الجهة الشرقية منها عمقه نحو 16 م، ومثلها الأبنية الخارجية ولها انحدار يختلف من 6 إلى 9 أمتار ويوجد على الحائط الجنوبي برجان على شكل نصف دائرة أما القلعة من حيث البناء فهي مستطيلة وضيقة بحسب الأرض التي بنيت عليها ولا يوجد تناسب هندسي بين طولها وعرضها، وأما حجارتها فكلها مربعة الزوايا، وهي ليست كبيرة ولا مُحْكَمَة النحت، ومن جهة الوسط الحجر نافر وغير منحوت كانت القلعة عبارة عن قلعتين متجاورتين حتى قام أحد قادة المماليك ويدعى بيبرس بجمعهما وبنى بداخلها جامعًا وحمّامًا ودار نيابةٍ عام 1268 م أمّا الجامع فما يزال قائمًا في أعالي القلعة حتّى اليوم وأمّا الحمّام فيظنّ بعضهم أنّه كان في أسفل الجبل القائمة عليه. تنقسم القلعة إلى جناحين ، أحدهما يشغل الأرض السفلية إلى الشرق ، وهي مثلثة الشكل تقريبًا وتبلغ أبعادها حوالي 150 × 100 م تم بناء برج ضخم مقابل الجدار الغربي للجناح العلوي ؛ البرج ذو مخطط مربع ويبلغ قياسه حوالي 12 × 12 م. بحسب مديرية الآثار في لبنان وما تعرضه في قاعة القلعة، من معلومات وصور قديمة، يعود البناء إلى القرن الثاني عشر الميلادي، في عهد الصليبيين فيما يذكر البعض أنّ القلعة بنيت في عهد الرومان. هذا ويؤكد أستاذ مادة تصدّع الإنشاءات والترميم في “الجامعة اللبنانية” الخبير في ترميم الآثار، الدكتور المهندس يوسف حمزة أنّ “القلعة تعود الى زمن الفينيقيين، لكنّها تطوّرت إلى أن باتت عبارة عن سدّ وحصن عسكريّ
شهدت القلعة تعديلات خلال القرن الثالث عشر، إذ جرى تعزيز جهتها الجنوبية ببرجين دائريين ضخمين، في حين استحدث برج مربع وآخر مسدس دفاعاً عن الجدار الغربي وطرفه الشمالي داخل حرم القلعة العليا، تليه قاعة مصممة على الطراز القوطية، وإنشاءات سكنية من الحقبتين القروسطية والعثمانية. وشيّد الجزء المعقود من القلعة السفلى في العهدين الأيّوبي والمملوكي، وهو محميّ بسور وأربعة أبراج دائريّة، وتتألّف القلعة السفلى من مدخل واسطبلات وقاعات للرماية والتخزين ومعاقل وترسانة، وعند طرفها الشمالي برج سكني. وعند الجانبين الغربي والجنوبي للقلعة، وهما أكثر الأجزاء المكشوفة فيها، جرى حفر وبناء خندق لعزل القلعة عن محيطهاو شهدت القلعة ورشة إعادة ترميم وتأهيل بعد الدمار الذي الحق بها عام 1837م بفعل الزلزال وتهدمت اجزائها العليا،و بسبب المواجهات التي حصلت بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي وأطلق عليها انذاك (وكر النسور) ،وكما شهدت مواجهات عديدة مع العدو الاسرائيلي والمقاومة اللبنانية حتى عام 2000م ،سمحت عملية الترميم باكتشاف العديد من الأقبية والجدران والقاعات غير المعروفة سابقاً في خرائط القلعة.كما وساعدت بالكشف مجدداً على الخندق الصخري المطمور منذ سنوات والذي يصل إلى مجرى نهر الليطاني
عادت “قلعة الشقيف” إلى شموخها وفتحت أبوابها أمام السياح ليشهدوا تاريخها العريق، ولتكون معلماً ثقافياً وسياحياً، ورمزاً للصمود والتحرير. كما كانت حتى منتصف السبعينيات واحدة من أهم المعالم الأثرية والسياحية والتاريخية في لبنان، ومقصداً للسياح من مختلف دول العالم والمناطق اللبنانية. مع ابقاء التحصينات التي أقامها الجيش الإسرائيلي، لتكون شاهداً تاريخياً على هذه الحقبة العدوانية ضد لبنان، وعلى تضحيات المقاومة والشعب اللبناني في التحرير ودحر الاحتلال