يوسف طراد للنهار
هل هو حزن بلون الفرح، أو فرح موجوع في سطور كتاب “ظل النعناع” لإخلاص فرنسيس، الصادر حديثًا ضمن منشورات “دار سائر المشرق”؟ فقصصها مسرّة في جنون مطبق، وهروب من عزلةٍ إلى عالم مجنون لا حدود له سوى الحريّة
صيحة قصصيّة قصيرة وجديدة، قد ملأت دنيا الكتاب، فرضتها شروط الزمن الراهن بكلّ ميزاته المرضيّة، وحجْرِه المفروض وإيقاعه الصامت
إحدى وأربعون قصّة، تأسست روحيّتها انطلاقًا من امتلاك القاصّة للإدهاش والمفاجأة. فاِستحالة إسناد العنوان إلى المضمون، تنتج الفضول لدى القارىء، للتفتيش عنه داخل روح الكتاب، حيث يوجد شيفرة مربكة مشتعلة، لا يستطيع أن يقرأها إلّا من أخضع جسده الحجر، وبقي فكره طليقًا
“… وبتنا قابعين في ممرّات الحياة ننام في النهار، ونأكل في الليل، إيقاع الحياة كلّه تغيّر. أردت أن أقول: هذا له، ولكنّه بدا ضائعًا أكثر منّي، ويؤثر الصمت على الثرثرة مع انسانة لا يعرفها.” (صفحة 7). هنا ينفتح المشهد على دلالاتٍ تتقاطع مع المفهوم الأبديّ للسجن الافتراضي والحريّة المطلقة. فكيف يكتمل اتحاد الرجل بالمرأة، وبفعل تأجيج العزلة بسبب تكاثر مخلوق مجهري يُلجم هذا الاتحاد؟
“ونبقى في ميناء الغربة نؤدي التحايا للجثث التي تطفو على سطح المياه” (صفحة 8). هنا يقترب القارىء من اقتران الحريّة بالموت، حيث الهروب من وضعيّة وطنيّة مغشوشة، وشعارات لم تتعرَّ من مفاعيل ترسبات روتينيّة الفكر السياسي
“… وينام إلى أن ضربه ذلك الإعصار الأنثوي في صميم حياته، لم يستطع الإفلات وإن لم يكن يحاول البتة، بل استسلم لهذا الشعاع الذي أضاء بصيرته،… وما الحياة دون الحبّ ألّا جرعات الموت البطيء اليومية.” (صفحة 113) يأخذ الحبّ دلالته الجارفة في هذا النص الّذي يُحيل على اليقظة المفاجِأة التي يُحدثها الغياب عند اختراق الوعي. وينزع الكابوس من الحلم، حيث يحضر الشوق إلى صميم الحياة
إنّ هذا الحنين، المخفيّ في قلوب الكثير من أشخاص هذه القصص، لا يقف عند حدود معيّنة أو صوَر محدّدة، بل يندفع ويبلغ ذروته المؤلمة، بحضور الغربة أو الموت. فكيف يكتشف الغائب أعماق الوطن إذا هربت الألوان من الأشياء، وأضحت باهتة كالأشباح؟ فقد أصبحت الساحات وحشًا مخيفًا من دون طابع إنسانيّ، وصرخات بلا شفاء تنبع من الظلمات، وتتدّفق من شقوق حجارة المنازل دماء بلا جراح: “نحت في الأزقّة القديمة، وبيت ما زالت جدرانه تحمل لوحات أسطوريّة، وعبق عائلة اندثر بعض أفرادها إلى غير عودة. هل العالم الآخر هو النهاية؟ (صفحة 73)
لا يغرب عن الذهن، أنّ الحب والعزلة والنوارس والأرانب والافاعي والخوف والبحر والموج والشمس و… هي من الشخصيّات القصصيّة التي تحضر في أرقى تجلياتها، ولا تنأى بنفسها عن الغوص بالمضمون من أجل غاية القصّة. فتجدها حاضرة أمام كتابة صريحة، لا تتورع عن قول الواقعيّة بواقعيّة سرديّة مشحونة بنفحة مرموزة
تتميز المجموعة القصصيّة لإخلاص فرنسيس “ظل النعناع” بالتكثيف في روحية الدلالات، والإيجاز في عدد الصفحات، إذ لا تتجاوز القصّة ثلاث صفحات في أغلب الأحيان. مما يجعلها قصصًا رشيقة، لا تحمل في خلاياها الكوليسترول السرديّ. فالتكثيف في روحيّة الإيحاء، وإشباع المعاني من الرمزية الموشومة بالتخيّل يحيلان القارىء على أكثر من قراءة جميلة
وأخيرًا وليس آخرًا، كي تنعم النفوس بالنصوص، ويقطن الحنين الحلم الأبدي، ننتظر من الكاتبة المزيد ونقول لها ما قالته لنا في الصفحة 125 من الكتاب: “… لا تبخسي الحلم الذي تسعين إليه، دفّئيه بحرارة الإيمان، وانحتي من صخرة ذاكرتك شخوصًا وأغاني، وصبّيها على البياض قصصًا وحكايات، وامنحيها من روحك وطاقتك، لتخرج إلينا الحياة، واروي لنا الرواية.”
غرفة 19
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل