د. جوزاف ياغي الجميل
انا والسهر
شو كان بدّك يا سهر فيي
حتى القلق يتسلبط عليي
كنت حبَّك ، كنت إشرب كاس
واليوم صاير حديث الناس
وتطَلَْقوا من النوم عينيي
بسامر عيون الليل تا توعى
بتهمس ب عينيي الشمس اوعا
شعّلِت قلبي وشرقطوا الخيطان
شو نسيت إنّو ساعتين زمان
تا الصبح يطلع ! روِّقا شوَيّي
وقد ما كنت اسهر وحب الكيف
كنت الطقس صلّي ت يبقى صيف
وحَتّى ما يزغر ليلنا نتفة
اسرق وقت عربش على الصدفة
ولملم فرح عا وِسِع إيدَيّي
تروّى يا زمن ، خود هالفكرة
هروِل ب أرضَك ، أخِّر البكرا
بتمشي حامِلنا ما بتِتطلَّع
فينا ، و نِحنا ما بنِتوَقَّع
أَخِر محطة إلَك ، وين هيي
٢٠٢٢/٠٢/٠٢
العميد المتقاعد كابي القاعي
أنا والسهر عنوان قصيدة، أم عنوان حياة، للشاعر العميد المتقاعد كابي القاعي
عنوان يحمل في ثناياه ثنائية الأنا والآخر، تلك الأنا المنفصلة جوازا عن محيطها، الحاضرة وجوبا في اختلافها والسهر، فكاننا أمام سهر خيّامي بامتياز. سهر يراه الشاعر فرصة سانحة للتعبير عن وجدانية الحاضر المتّصل بالمستقبل. سهر يطغى على حياة
الشاعر المصاب بالقلق والأرق
افتتاحية القصيدة عتاب للسهر الذي ضيّق على الشاعر، خصوصا بعدما طلّق الكأس، ومنادمة الشراب
أما افتتاحية القصيدة والمقطع الأوّل منها فيعيداننا إلى أغنية المطرب الكبير وديع الصافي، يقول فيها
شو عاد بدي فيك يا قلبي
صرت حِمل تقيل عاجنبي
كنت عوزك كان عندي حب
واليوم شو بعوزك بلا حبي؟
السهر والقلق عنوانان لحياة الشاعر. حياة ليلها مفعم بالهموم، كموج البحر على حد وصف الشاعر الجاهلي
ويبقى السؤال
لماذا يسهر الشاعر
السهر شعار العاشقين. فهل يكون الشاعر عاشقا، يؤرقه حبيب, أو بعاد؟
إن كان الجواب بالإيجاب، فمَن هي حبيبة الشاعر؟ وأيُّ بعاد يجعله يلجأ إلى السهر؟ وما دور الكأس في هذا المجال؟
ّالسهر والخمرة توأمان في ذات الشاعر القاعي
كان يسهر لمعاقرة الخمرة، ولكنه اليوم قد هجر الكأس، فكيف يحسُنُ السهر، من دونها؟
تحوّلت حياة الشاعر، إلى سهر عقيم، يُلام عليه،”صاير حديث الناس”. وأي حديث يتناقله الناس عن إنسان يسهر بلا خمرة، ويجافيه النوم، كأنه لص يسرق هنيهات الفرح والدهشة؟
ذكّرتْني قصيدة الشاعر أيضا بالأغنية التي ربطت حياة الإنسان بالسهر والعشق، وإلا فما معنى حياته
اللي ما بيسهر وبيعشق
لشو بالله حياتو
هذا هو قلق الشاعر وسبب أرقه. ولكن العشق والسهر الغائبَين ليسا نحو حبيب أو حبيبة. وليس البعاد مرتبطا بإنسان. إنه البعاد عن الوطن، أو بعاد الوطن عنه، لا فرق. فالغربة في الوطن أقسى من الغربة عن الوطن
سهر الشاعر غدا صخرة سيزيفية، بعدما جافتها الكأس. أتكون الكأس رمزا للخمرة
أم كأسَ العذاب، على صليب الحب والفداء؟
أسئلة تحتمل الكثير من الأجوبة
تروي كتب التراث العربي حكاية رجل شكا إلى ملكِِ سهره، فقال له الملك: أعاشق أنت أم متألّم؟ فقال له لا هذا ولا ذاك. فقال الملك: إذا أنت لص، فاقبضوا عليه
وهذا ما حصل للشاعر القاعيّ، فقد اعترف أخيرا أنه لص، يسرق الوقت، وأيام الفرح
اسرق وقت عربش على الصدفة
ولملم فرح عا وِسِع إيدَيّي
ألم الشاعر وأرقه سببهما الخوف من هرب اللذة. وقد انتهت لذة الشاعر الأولى بانتهاء الخمرة. وهو اليوم مهدّد بانتهاء الحياة. وليس الموت ما يخيفه، فهو العسكري المناضل على الجبهات. ولكنّ ما يخيف العميد المتقاعد هو فقدان اللذة والفرح، قبل افتراق الجارَين، كما قال الشاعر المتنبي
ذَرِ النّفْسَ تأخذْ وُسعَها قبلَ بَينِها
فمُفْتَرِقٌ جارانِ دارُهُما العمر
هذه هي المأساة الحقيقية التي كان الشاعر يخافها، بل يخفيها، في جوف الكأس، وفي عرين السهر. وهو اليوم بعد فراغ الكأس، كأس العمر، يجد السهر عبئًا ثقيلا عليه، و”القلق يتسلبط”على وجوده، فيطلق صرخة العتاب، بعدما طلقه النوم، وعذله الناس
في القصيدة ثنائية اللذة والألم. لذلك يفكر الشاعر المقاوم في لذة أبيقورية، تنقذه من جلجلة الحياة الجديدة، حياته المهدّدة بالانتهاء، في أي وقت،حين تكرّ البكرة، في يد الموت، فيسحبها، وتكون النهاية. وكأنه يكرّر بيت الشاعر الجاهلي، طرفة بن العبد، واصفا الموت
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكالطول المرخى وثنياه باليد
هو الموت الأعمى، يخافه الشاعر كابي القاعي، يهرول به، على غير هدى، إلى المحطة الأخيرة
ّتقودنا هذه القصيدة القاعية إلى عالم شعري غنيّ بالتناصّ، من قدَرية ابن العبد، إلى أرق المتنبي، إلى وجودية السهر الخيامي، إلى غنائيّة الطرب الصافي الأصيل. ولكنّها، في نهاية المطاف، صورة طبق الأصل، عن حياة الإنسان، في قلقه على المصير. وهذا مردّه إلى عوامل سياسية واجتماعية ونفسية، في عالم يطغى عليه الضياع، والبحث عن الفرح الغائب، بين يدَي المجهول
بين القلق/الواقع، والفرح/ الحلم، يطلق العميد المتقاعد كابي القاعي صرخته الأخيرة، أن يتمهّل الزمن، لا أن يتوقّف، كما قال لامرتين، كي يستطيع اغتراف كأس الفرح/الحب/ الحياة، حتى الثمالة
“ع وسع إيديي”
ُكابي القاعي، أيها الشاعر السيزيفيّ، صخرة أرقك بانتظارك. إنّها قدر الشعراء والأنبياء، ولا مجال للهرب، فاغرف لنا من نفسك المغتربة، ما يروي غليلنا إلى الشعر والفرح والأمل، قبل أن يُطوى السهر السيزيفيّ، في كتاب الحياة
غرفة 19
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل