في العالم العربي قد لا نعير أهمية كبيرة لهوياتنا الافتراضية، وأقصد حساباتنا على فيسبوك وانستغرام وتويتر. وإذا كان الأولان أكثر اتصالا بحياتنا الاجتماعية وصورنا واحتفالاتنا، فان تويتر أصبح أهم وأخطر بكثير، إذ تحول بعد مجيء الرئيس الأمريكي ترامب للسلطة إلى أداة لإيصال الرسائل السياسية الخطيرة. ولحق معظم الرؤساء الغربيين ترامب، في استخدام تويتر كوسيلة للتواصل السياسي. لكن على صعيد الناس العاديين، لنتصور أن شخصا اخترق حساباتك الإلكترونية، إلى ماذا يمكن أن يؤدي ذلك؟ إن فيلم “مطابقة سيئة”:Bad Match الذي يمزج الإثارة بالرعب والرومانسية، يطرح هذه المشاكل بصورة مباشرة، ويكشف المخاطر غير المتوقعة من الاعتماد على تكنولوجيات العصر الافتراضي، مركزا على أسوأ ما يمكن أن تصل إليه هذه المخاطر. إذ فجأة يتحول كل ما هو لذيذ وممتع وسهل في حياتنا، إلى مصدر ازعاج وتقييد للحرية، ويصبح في النهاية مصدر خطر كبير على المستخدم، إذ قد يضعه في مشاكل قانونية ومعنوية، لا بل قد يدفعه في النهاية ربما إلى ارتكاب الجرائم أيضا.
يلجأ المخرج ديفيد جرجيريللو إلى إقحام بطليه جاك كتمور-سكوت وجليلي سيمونز اللذين التقيا عن طريق الإنترنت في مواقف متضاربة، تتراوح بين الإعجاب والتعلق والرفض والتهرّب والعداء الشديد. إذ يتبادلان الاتهامات والألعاب الخطرة، بحيث يعتقد البطل ان البطلة هي المسؤولة عن كل مصائبه في العمل والحياة. لكن هذا جانب واحد فقط من المشكلة، وهو العلاقات العاطفية على أساس افتراضي.
إذ ان هناك علاقات افتراضية أخرى، قد تسبب مشاكل حقيقية، وربما أكثر خطورة. فإذا كان البطلان هنا قد التقيا واقعيا وعرفا بعضهما، فإن هناك علاقات أخرى قوية لكن لن تلتقي أطرافها أبدا، كما في فيسبوك مثلا، أو رفاق اللعب في ألعاب الفيديو الجماعية على الانترنت. إذ نختار رفاق اللعب عشوائيا عادة في مثل هذه الألعاب المليونية، كما في ألعاب الببجي أو الفورتنايت مثلا. لكن بناء نوع من العلاقة مع شخص محدد في هذه الألعاب وإثارة غضبه، قد يؤدي أحيانا إلى عواقب وخيمة، وهذا ما يحدث في الفيلم بدون أن يشعر البطل بما يحدث أو يعرف المسبب. وهكذا يحاول المخرج ان يبحث موضوع العلاقات الافتراضية من جميع نواحيها، وتداخلها مع بعضها، للوصول إلى أسوأ أنواع السيناريوهات وأكثرها ضررا. ان العلاقات الافتراضية المجهولة، قد تكون مصادر إخطار غير متوقعة من دون أن نشعر. فجأة يكتشف البطل انه مطرود من العمل بسبب تغريدات على تويتر ليس مسؤولا عنها، وأن هناك مواد ممنوعة في كمبيوتره الشخصي، وتستدعيه الشرطة للتحقيق وتصادر كمبيوتره. لكنه يلقي بكل اللوم على البطلة الجميلة الذكية التي تلعب معه ألاعيب خطرة. فتتطور الأحداث بينهما بسرعة وتؤدي إلى مواجهات غير متوقعة أبدا في نتائجها.
ان مشكلة الفيلم الرئيسية هي أنه يبدو صغيرا في حجمه، بسبب موضوعه المحدود، وأحداثه التي تدور في أماكن قليلة، كما ان شخصياته تعاني من غموض شبه تام في تاريخها النفسي وسلوكها الاجتماعي، ويتجلى هذا في طول الفيلم الذي لا يتجاوز الساعة والنصف. وربما يتعمد المخرج هذا، كي يضعنا في أجواء المجهولية التي تسود وسائط التواصل الاجتماعي أحيانا، بسبب استخدام أسماء مستعارة أو حسابات مزيفة أو بسبب الخوف من الاختراق والتهكير. لكن المخرج لا يقدم أي إيضاح أو سبب لالتجاء البطلين إلى مواقع وتطبيقات المواعدة، بدلا من محاولة إقامة علاقات واقعية مبنية على المعرفة المسبقة.
ان تفسير أو تحليل هذا الموضوع مهم جدا، وكان في إمكان المخرج إضافة مشاهد فلاش باك مثلا لتفسر اللجوء إلى هذه الوسيلة، بدل أن يكون الفيلم كما لو أنه يناقش مشكلة أو أنه دراسة لسلوكيات الرجال والنساء في المجتمعات الغربية، وغياب المسؤولية في ما يتعلق بعلاقاتهم العاطفية. وأهم ما يشير إليه الفيلم، هو استغلال الرجال لخدمات المواعدة من أجل العلاقات القصيرة المدى فحسب، وان ما يكتبه الناس عن أنفسهم في هذه المواقع مجرد أكاذيب أو كلمات معسولة لخداع الطرف الآخر. ورغم كل هذه المآخذ على الفيلم، فانه يظل ممتعا ومقنعا وسريعا في أحداثه، ويشد المشاهد إلى النهاية، خصوصا بوجود بطلته الممثلة الشابة ليلي سيمونز التي اشتهرت كثيرا بعد دورها الجريء والمهم في مسلسل “بانشي”. وبينما يبدو البطل جاك كتمور سكوت مقنعا في أداء دوره كشاب عابث سلبي، لا يترك أي انطباع لدى المشاهد، تظهر البطلة سيمونز كفتاة قوية الشخصية، لا تريد أن تكون رقما عابرا في حياة البطل، وبين المشاهدين. وربما تعمّد المخرج اختيار ممثلة تجذب الانتباه بجمالها وقوة شخصيتها، مقابل بطل سلبي يتلقى المصائب الواحدة بعد الأخرى. أما باقي الطاقم من الممثلين فإنهم لا يثيرون الانتباه، لأنهم مجرد أفراد مساعدين في حكاية البطل والبطل.