في ظل تسارع وتيرة التطور الإجتماعي النفسي، وهجمة التكنلوجيا الرقمية الحديثة وما أحدثته الوسائط الإعلاميّة الجديدة ، التي أثّرت بشكل كبير على المحتوى الخطابي الإعلامي، لتنتج أشكالاً جديدة من التأثيرات والاتجاهات بين الجماهير ، برزت بذلك مفاهيم عدّة بناء على البيئة التي استلّت منها هذه الخطابات والطريقة التي يتم تداولها.
لا شكّ في أنّ صناعة الخطاب الإعلامي تستدعي حزمة من المتطلبات الجوهريّة، أهمها إنتاج لغة خطاب شبابي يحمل في طياته الإرشاد النفسي التربوي.
يكرّس الدكتور خالد غطّاس حساباته على منصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي حول الإنسان مرتكزاً على البحث العلمي والسلوك البشري وقد مكّنه أسلوبه غير التقليدي، والذي ينطوي على الكثير من
الدعابة من إيصال رسائله بطريقة فريدة وقريبة من الجمهور يجعلها تترك أثرها في أذهان المتابعين.
“تسعة ” رحلة في تسع محطات من القيم لبوصلة فهم الانسان وبناء الوعي لديه، كانت محور اللقاء الأسبوعي لغطّاس “الأربعا بنص الجمعة” في الورشة.
أول هذه القيم “النيّة” إنّ استحضار النيّة بالفعل و المقصود هنا الغاية من أي فعل، وأسند غطاس قوله بشواهد من الهجرة النبوية بقول : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»
إذاً لكل فعل مقصد، وكل فعل يقوم به الإنسان عليه أن يظهر من تفاصيله النية الحقيقية.
فالإنسان بلا هدف كالسفينة بلا شراع. إن وجود غاية سامية يحرّكك، هو ما يمنح أيامك معنى، ويحوّل كل لحظة إلى خطوة في درب تحقيق شيء أكبر منك. الهدف لا يشترط أن يكون عظيمًا في عيون الناس، بل يكفي أن يكون صادقًا في قلبك.
ثم يضاف إليها عنصر ثان الا و هو“الحضور”، إنّ الحياة لا تُعاش في الأمس، ولا تنتظر الغد.
الحياة تتطلب الحضور الكامل ويكم فيها سرّ العيش الحقيقي، أن تصغي بإخلاص، وأن تشعر بعمق، وأن تكون بكليّتك في الآن، هذا هو فن الحياة.
وعلاوة على ذلك إنّ التركيز على هدف أو” أحاديّة الهدف ” تجعلك تسير بخطوات واثقة نحو وجهة واضحة، هو ما يميز الساعي عن التائه. وضوح النية، “لتنجز عليك أن تكون محدداً وواضحاً” وتحديد الأولويات يعدّ عنصرا بارزا لتحقيق النجاح، وتوجيه الطاقات نحو ما يهم، يمنحك تركيزًا و يحميك من التشتت.
عامل آخر يضاف الى طريق النجاح هو” الصّبر” ، وهنا تبرز قيمة الصبر ليس خنوعًا، بل حكمة، وقدرة على التريّث دون أن تفقد الإيمان. هو ثقة بأن الزمن يحمل لك ما تستحقه، في اللحظة التي تستحقها.
ومع الصبر، تحتاج إلى أن تكون فاعلًا، لا مفعولًا به. وهنا تحضر المبادرة أو” الفعاليّة “ركيزة أساسيّة كقيمة تجعل منك صانعًا للأحداث، لا مجرد متفرج. أن تبادر، وتتحمل مسؤولية نفسك، ومن هنا تصبح قائدًا في محيطك، لا تابعًا له.
ولأن الحياة تحمل في طياتها مختلف اللحظات ، فإن” الروح المرحة “تعيد التوازن الى الحياة فالقدرة على المتعة هي ليست ترفًا، بل ضرورة للسلامة النفسية. المرح يعيدك إلى براءة الأصل، ويمنحك القدرة على تجاوز صعوبات الحياة بسهولة .
وتأتي واحدة من العناصر الهامة ألا وهي ” الصفاء” النية الصادقة والصدق في المشاعر، و البعد عن التصنّع الإنسان النقيّ لا يعني أنه مثالي، بل أنه يختار الوضوح على المراوغة ” إلاّ من أتى الله بقلب سليم “وهنا تبرز فضيلة البساطة على التعقيد، والحق على المجاملة.
ولأننا نعيش ضمن منظومة لا بدّ أن يكون للنزعة الاجتماعية الإيجابية دورها الناجع في التأثير
فالأنسان كائن اجتماعي ولا بد ان يحتفظ بهذه النزعة وأن يسهم في خير الجماعة، لان ذلك يعكس جوهر إنسانيته
إن الوعي العميق بالله، الذي يرافقك في السرّ والعلن أو” التقوى” يشكل نافذة مهمة لحياة الإنسان، دائما بالهروب من الألم والرزق من حيث لا يحتسب فالتقوى تمثل هذه المرجعية التي ترافقنا في قراراتنا. “خلق الإنسان في كبد خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍْ ” جواب القسم ، والمراد بالإِنسان : جنسه ، والكبد : الشدة والتعب والمشقة ، من المكابدة للشيء ، بمعنى تحمل المشاق والمتاعب في فعله ، والمعنى : لقد خلقنا الإِنسان لهذه الشدائد والآلام.
هذه القيم التسع تبقى سلوكيات نُمارسها، ومفاتيح لحياة متوازنة، تجمع بين الروح والفكر، بين الذات والآخر..
