كم سلخت المقاهي من أعمارنا ونحن نعبر إليها في الليالي الماطرة ، نٓحيك نصوصًا على مقاس أمانينا ، نحتسي حكاياتنا المعتّقة على جمر الشوق . نرقب المدينة ، خلف الستائر المغزولة من خيوط المطر .
تحول الزمن ، وتساقط الرفاق ، بعضهم ابتلعته الغربة ، ومنهم من أمعن في الغياب ، فأضحت الأماكن باردة خالية من دفء الأصدقاء .
وهكذا ، كلما عدت إلى المقهى ، أسأل النادل : هل عثرت على بقايا ملامحهم ، وانت تُزيل الغُبار عن الذكريات .
………….
دراسة الدكتور عماد يونس فغالي
المقاهي في زمنِ ثلاث، اندهاشُ أدب!
نصّ علي أبي رعد محطّاتٌ ثلاث، في الزمن والأحداث. في تقدّم الزمن وتطوّر الأحداث الملازمتُه.
نصٌّ سرديّ في امتياز، وصفيٌّ غلبتُه، مشاعريٌّ تأثيرُه، تفاعليٌّ انفعاليّ في نتائجه وتداعياته… أعتقدُ القارئ يهتمّ له من داخل، ويحبّ!
المحطّةُ الأولى، حالُ كلّنا، في الفئات العمريّة كلّها… جمع الأحبّةِ في المقاهي… لقاءاتُ العمل، الفكر، التلهّي، الصداقات، العائلات… الله كم تجمع المقاهي الناس، في “قعداتٍ” تسمُ القلوبَ بطابعٍ يحفر في البال والذاكرة. “كم سلخت… من أعمارنا”، قالها الكاتبُ بكلّ الحبّ وكثير الحنين…
ويتابع إلى المحطّة الثانية، السالخة الفرح في “تحوّل الزمن”. يا زمن، من وقتٍ مصنوع، كم كفيلٌ بإزعاج… ويُعملُ الكاتبُ توصيفَ رديء فعل الزمن: “تساقط الرفاق… ابتلعته الغربة… أمعن في الغياب”… تعبيراتٌ خارقة في تجريم… قاسية الاحتمال عاصية على قبول…
المحطّةُ الثالثة مشهديّةٌ في مسرح العمر المستعاد… في حالة “الأماكن باردة خالية من دفء الأصدقاء”، يمرّ الكاتبُ على مقهاه مسترجعًا ما كان. يسألُ النادلَ، الحديثَ العهد لا بعرفه، عن “بقاياهم”، هل علقتْ على يده غُبارًا من ذكرياتهم؟
علي أبي رعد، كتبتَ أدبًا وأنتَ فاعلٌ بحقّ. كتبتَ حالةً نفسيّة عابرة الإنسان في اجتياز عمره والناس… أولئكَ السابقيه زمانًا إلى الذكريات، وهؤلاء القضى رفقتَهم جمالاتِ سنينه الدافقة الغلال، ومن تبقّى من غرباء، “النادل”، لا يعرفونه إلاّ ماضيًا لا يعنيهم…
قصّةُ العمر في مفاصلَ ثلاثة، إطارُها المقاهي الفيها مرحلةُ الاجتماع الجزلة، ومنها فرطُ العقد الواجع، إلى الرجوع القابضِ على لملمةِ الذكرى، علّ امتدادًا للفرح ولو في مجرّد البال، لا يلوي على الأصيل!
صراعُ المرء مع عمره المثلّث الزمان، الماضي والحاضر والغد غير المحسوم، غير المرغوب، كلّ النصّ قلتَه يا كاتبُ من رحمِ الكلمة، أدبًا يطالُ المجتمعَ في طبقاته وانتماءاته المتعدّدة والمختلفة… سيكونُ لسانَ حالٍ لكلٍّ على كلّ زمن… قلتَه أدبًا، يدهش… هذا فضلٌ يا حبيبُ!!!