صدر للناقد خالد خضير الصالحي كتاب (علي طالب.. الحدائق المعتمة) وذلك عن السلسلة التي تأتي مبادرة (جمعية التشكيليين العراقيين المركز العام) كواحدة من اهم (الأفعال) الثقافية التشكيلية التي تمثلت بمشروع كبير هو إصدار (السلسلة الفنية الثقافية) التي تعنى بمطبوعات نقدية وتوثيقية غاية في الأهمية عن الفنانين العراقيين الأحياء والراحلين؛ فغطت في دفعتها الأولى قسما من الفنانين الذين كتبوا سفر الفن التشكيلي العراقي منذ نشأته على يد الرعيل الأول وصولا الى أيامنا الحاضرة.
في التقديم الذي حذف، مع الأسف، في النسخة الورقية، يؤكد الكاتب هاشم تايه “ان النّاقد خالد خضيّر الصالحي، في هذا الكُتيّب التّعريفي الاستبطاني يُضيء واحدةً من أغنى التجارب الفنيّة العراقيّة التي تستوقف العين، وتستفزّ الوعي والخيال، وتُثير الجدل موضوعاً، وتقنيّة، واستهواءات. إنّها تجربة الفنّان التشكيليّ علي طالب، وهو مثالُ فنّانٍ مُفكّر، مُستطار بسبب قلقه الوجودي الرّوحي الحافل بالأسئلة، والارتيابات، والتوحّد. فنّان فضّل التحرّك على سطحه التّصويريّ بأناة، وباحتراس شديد مع كلّ خطوة له تُجدّد لقاءه مع موضوعه الأثير الذي بوسعنا تسميتُهُ بـ (وحدة الفزع) الإنساني في مواجهة سرٍّ غامض، متكتّم، يمكن الإشارة إلى شبحِهِ بإصبعٍ مفكّرة في فضاءٍ داكن، لكن يَعسُر فهمُهُ، ومصادقتُه، والاطمئنان إليه”، ويضيف “بوسعنا أن نعدّ ما يُطلق عليه خالد خضيّر الصالحي (الواقعة الشيئيّة) منطلقاً مفهوميّاً مركزيّاً لممارسته النقديّة يعكس نظرة موضوعيّة إلى الفنّ التشكيليّ، تراه في جوهره… شيئا ماديّا يتحقّق واقعةً، أو حدثاً على سطحٍ ماديّ هو الآخر”.
يؤكد مؤلف الكتاب في مقدمته التي حذفت هي الأخرى، “كانت لنا أسبابنا الوجيهة في اختيار الرسام علي طالب، فهو أولا واحد من رسامي ما اسميه (جيل الحداثة التشكيلية في العراق)، الجيل الذي نقل مركز الثقل في العمل الفني من الموضوعات والسرديات، الى شيئية العمل الفني، وهو انتقال كوبرنيكي، توارثته الأجيال اللاحقة بعدهم، وثانيا، ان علي طالب كان اهم الفاعلين في صنع الفن العراقي سواء بنتاجه في الرسم، او في تأسيس الجماعات الفنية، وثالثا، يعد علي طالب واحد من أهم رسامي البصرة طوال تاريخها، وبالتالي فهو قريب منا منذ نشأتنا الثقافية الأولى”..
تختلف دراسة خالد خضير لتجربة علي طالب كونها لا تبالغ في الجوانب (التوثيقية) على حساب (الرؤية النقدية)، والشحّ الكبير في التوثيقات والببليوغرافيات المهيمنة على الكتابات السائدة في ثقافتنا اليوم في النقد التشكيلي والتي تنصب على تناول السيرة الذاتية للفنان: طفولته وصباه ودراسته والبعثات التي قبل فيها، وأماكن العمل، والمعارض… فغدت هذه الكتابات، بسبب ذلك، تنتمي إلى تاريخ الفن، والى حقول أخرى ليس من بينها النقد التشكيلي، وهو اهم عيوب الكتابة (النقدية)، وثاني العيوب هو نمط اللغة التي نكتب بها؛ فقد تجنبنا اللغة الشعرية التي ينزلق إليها بسهولة بعض الكتّاب، والتي هي ناتج الافتقار إلى الفكرة الواضحة التي يجب أن تكون أهم مؤهلات الكاتب في دراسة التجربة الإبداعية للفنان، بينما كانت ثالث العيوب الإغراق في الوصف الخارجي دون كشوفات نقدية ذات أهمية في العمل الفني والتجربة الإبداعية، ورابع العيوب الانشغال (بشخوص) اللوحة ومعاملة ابطالها كحيوات سردية تماثل حيوات أبطال الرواية، وليس باعتبارها علامات مادية صنعتها الحرفة والتعامل التقني العالي مع مادة العمل.
ينطوي الكتاب على (مفتتـــح أولـــي) بعنوان (علي طالب وفن الستينيات) اكد فيه الناقد الصالحي ان المرء يحار المرء وفق أي مقترب يتناول أعمال الرسام العراقي المنتمي الى جيل الستينيات (على طالب)، فقد اقترح الناقد عدنان حسين أحمد، ثلاث مقاربات معاً: الجانب الجمالي، والجانب الفلسفي، والجانب النفسيّ”.
لقد كانت في الستينيات ضمن مجموعة من الرسامين (المجددين) ومن ذوي (الرؤية الجديدة)، وعلى رأسهم الرسام علي طالب أكثر من غيره من جيل الستينيات، فقد كان علي طالب (البصرة 1944) من أوائل من انتمى إلى أكاديمية الفنون الجميلة، وتخرج فيها عام 1966. وكانت بوادر التجريب والتجديد قد تجلت في إسهامه مع (جماعة المجددين)، وهو لم يزل بعد طالبا في الأكاديمية، إذ كان عمله الذي استخدم فيه تقنيات ومواد مختلفة، فتالفت “جماعة المجددين (1965-1968)، من نخبة من الفنانين الشباب أسسها كل من طالب مكي ونداء كاظم وصالح الجميعي وسالم الدباغ وظاهر جميل وفائق حسين وعلي طالب، ثم انضم إليهم: عامر العبيدي وخالد النائب وإبراهيم زاير في عامي 1967 و1968.
وهنالك فصل عنوانه (علي طالب بأعين النقاد) استعرض فيه المؤلف اهم اراء النقاد عن مختلف جوانب تجربة علي طالب، ثم فصل عن (جماعة المجددين) التي شكلت مع (جماعة الرؤيا الجديدة) عام 1969 فتحا على صعيد التقنيات والأسلوب، والفصل الأهم ((وجوه) جانبية و(أقنعة) أمامية)، وفيه عناوين: (لعبة (الـرأس المقطـوع).. أيقونة العذاب الإنساني!!)، و(الوجه الإنساني)، و(الوضع الأمثل)، و(طوبولوجية المخيلة)، و((وجوه) جانبية و(أقنعة) أمامية)، و(الوجوه المانيكانات)، و(وجود شيئي على أرضية الوجه)، و(صناعة العمل الفني!)، و(رسام بَصَري)، و(الجدران أنساقاً)، و(شيئية فعل الرسم)، و(العنوان مفتاح خارج بَصَري).
براينا ان كتاب (علي طالب.. الحدائق المعتمة) نعده إضافة للمكتبة التشكيلية العراقية.