كواليس ستوكر عن موقع نقد* نقد
اِشتعلت شرارة الفكرة في رأسي، قبل معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023 بخمسة أيام فقط، فلم يكن في بالي أن أشارك هذا العام في المعرض، بغير النص المسرحي (احتباس العسل)، لاسيما أنه صدر بخمس لغات، فكان هذا كاف بالنسبة لي، فضلاً عن كوني أتعافى من مرض شديد، كان قد ألَمَّ بي قبلها؛ وكنت قد قررت مسبقاً أخذ فترة راحة من الكتابة، أثناء فترة النقاهة، ولكن بصورة مفاجئة هاجمتني الفكرة، وحين تعمقت فيها، وجدت أنَّ مشاكل الإنترنت ما تزال في الظل، على الرغم من القضايا الكثيرة المتداولة، وما كان يصلني من الأصدقاء من قصص عن الِابتزاز الإلكتروني، ولكنَّ الضوء الأدبي بعيد كل البعد عنها
وكنت قد لاحظت أننا صرنا متعلقين جداً بالواقع الِافتراضي، حتى علاقاتنا صارت عبره هي الأساس في المناسبات كافة، بل يصل الأمر حد أنه أصبح بالنسبة للبعض، العالم البديل بكل معاني الكلمة، وكأنه أسير له، ما طرح السؤال في نفسي عن موقع الأدب من قضايا، ومشاكل التواصل الِاجتماعي، ولماذا مازلنا متمسكين بالحكايات التقليدية، والتراثية في الكتابة، رغم انتشارها الواسع، رغم أنها قتلت بحثاً، وأدباً، وتصويراً، ولماذا لا نؤرخ ما يحدث في حاضرنا الراهن، لاسيما، وأنّه من دور الأديب، أن يوضح للقارئ في أي عصر كتبت روايته، وحيثيات الحقبة التي نعيشها
وما الذي يهمُّ المجتمع اليوم، وكم كانت آلام الماضي مختلفة عن آلام الحاضر، ومسببات الألم، والخوف، والخطر، الذي يواجهنا اليوم
تلك الشرارة وجّهتني، نحو اختيار الفئة المستهدفة، والعمل على الكتابة بطريقة تتناسب مع حياة الشباب، وإيقاعهم السريع للحياة، وذلك لأصيب الهدف الذي أرتجيه، عبر تقديم الرواية بصورة مبسّطة، وقريبة لخيال الشباب، وفي الوقت نفسه للأسرة، لتستوعب أننا صرنا مثل الآلات في تعاملنا مع بعضنا البعض، على خلاف تعامل الغرب مع الإنترنت، فهناك يخدم سرعة التطور، بينما عندنا تحول إلى سبب للكثير من الجرائم، مع الوضع في الاعتبار أن الشباب اليوم، لا طاقة لهم على قراءة عددٍ كبير من الصفحات، ولا كَمًا من المصطلحات اللغوية، التي أصبحت معقدة بالنسبة لهم، في ظل ظهور لغة الميديا، وانتشارها فيما بينهم، وألا أتجاهل هذا التوجه لديهم، وأقدم لهم وجبة دسمة، بها جميع العناصر المطلوبة، وفق رغباتهم، وذائقتهم الخاصة المستحدثة، كيف أكتب لهم بلغتهم عن همهم.
في المرحلة نفسها لفت نظري ظهور مصطلح “بــ يستوك على…”، الذي أصبح دارجاً، ومتداولاً بين الشباب، وهو ما دفعني للبحث عمن هو الـ stalker، وكيف عرّبنا الكلمة، وما وجدته كان مفزعاً، فالأمر يصل إلى أنواع كثيرة، أقلها ضرراً هو الـ “ستوكر العاطفي”، والذي قد يتحول مع الوقت إلى مجرم حقيقي، لا يتقبل الواقع، إذا لم ننتبه له سريعاً
تعمّدت اختيار اسم البطل “عساف”، الذي نشأ في بيئة أسرية مفككة، لكنها تعيش في رغد مادي، ولجأ إلى التواصل الِاجتماعي، حتى أصبح أسيراً له، وأصيب بمرض الشك، بحيث أصبح يعتمد على تلك الشاشة في معرفة أخبار أسرته، التي تقيم معه في نفس المنزل، بل إنهم على بعد خطوات من باب غرفته الموصد، وابتعد كل البعد عن واقع الحياة الحقيقي، حتى أصبح لا يستطيع التعامل معه، ما دفعه إلى تعاطي المخدرات، حين اضطر للتعامل مع الواقع مجبراً، فقد كان كرسي العرش خاصته، هو مجلسه مع الواقع الِافتراضي، يتحكم من خلال جهازه، بكامل مفرداته، وهذا ما أنتج صدمة لديه من الواقع، فدفعه إلى اللجوء إلى وحش أكثر شراسة
تفاصيل كثيرة تراكمت داخلي، ودفعتني أكثر نحو بلورة الفكرة، في عمل روائي مختلف، فقد كنت مهمومة بالقضية، وأخذت الأفكار تتداعى إلى عقلي ومخيلتي بسرعة، وقررت تدوين هذه الفكرة، وخوض التحدي في إصدار الرواية في معرض هذا العام، خلال خمسة أيام متبقية فقط، لتكون مفتتحي نحو سلسلة من الروايات، التي تستهدف هذا الموضوع، وتطرحه للنقاش، ومن حسن حظي أن الناشر الذي أتعاون معه، كان سريعاً في التفاعل، وبدأت البحث عمن لديه الخبرة في أمر الـ”story bord”، وبدأ بهذا تعارفي مع الرسامة غادة صادق، التي رشّحها لي إسلام عبدالمعطي صاحب دار نشر “روافد”، وهو الناشر الخاص بي، ولديه جميع أعمالي السابقة، ومنذ بدأت الحديث معها، عن الفكرة التي أود رسمها، والشخصيات التي عليها أن تشكّلها، بطريقة معبّرة عن المشاهد المكتوبة، تفاعلت مع القصة، وعملت بجهد كبير عليها
وفي المجموعة المشرفة على هذا المشروع، التي شكّلتها عبر تطبيق “واتس آب”، كانت الصديقة د. نداء عادل، التي دعمتني، وأخبرتني بثقتها بي، بأنني أستطيع الكتابة، والإنجاز في وقت ضيق جداً، رغم تأكيد الكثيرين، بأن الأمر مستحيل، لكن د. نداء، أكدت لي أنني قادرة على الإنجاز في وقت وجيز، وأننا سننتج الكتاب لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2023
من هنا كونت مجموعة على تطبيق “واتس آب” باسم “فريق عمل ستوكر” وبدأنا العمل، أنا أكتب، ود. نداء تراجع النص لغوياً ونقدياً، وتضعه في المجموعة مرة أخرى بعد المراجعة، أستلم أنا للمراجعة مرة ثانية، وأضعه مع شرح مشاهد الصور مرة ثالثة، لتستلمه غادة وترسمه، وهي التي كانت تعمل كمحاربة على مشاهد الرواية، فقد كانت حينها، على وشك مغادرة البلاد لأداء العمرة، وكان يجب عليها التجهيز للرحلة، والاهتمام بأمور منزلها، وإنجاز العمل الذي يستغرق في الوضع الطبيعي، وقتاً لا يقل عن ثلاثة أشهر في أربعة أيام، ولكنها حتى اللحظات الأخيرة في المطار، ظلّت تعمل على الرسم، كنت كلما أنتهي من فصل، أضعه على المجموعة، للعمل عليه بنفس الخطوات، وأثناء عمل الأصدقاء، أكتب الفصل التالي، وهكذا
الروائية نهى صبحي
الرواية عبارة عن 3 فصول، وبعد الِانتهاء من الفصل الأول، أرسلته للفنان حسين جبيل، ليتهيأ لتصميم الغلاف، والذي استفزّه الكتاب من فصله الأول، وكان من أهم العوامل المحفزة لي على الانتهاء من الكتاب، وكان يحفزني كثيراً بحماسه، وشوقه لمعرفة باقي الأحداث، كنت أكتب بانفعال شديد، لأسمع الآراء سريعاً، لدرجة أن جبيل كان يتعامل مع ”عساف” كشخصية حقيقية، ويلعن صفاته، ويتمنى له نهاية قاسية، وعقاباً شديداً، وكان يطلب مني ذلك دائماً، أثناء القراءة ويقول لي: (نهى، عساف دا لازم يتحرق، أو يموت، أو يتحبس، لازم تعملي فيه حاجة متسيبيهوش عايش بينا كده عادي )
على صعيد أخر جاء تفاعل الشاب عادل عزيز مع الرواية، التي مازالت تكتب، والذي حرصت على قراءتها له أثناء الكتابة، حيث إنه نموذج واعٍ لشباب الميديا، والذي يعاصر الأزمة بكل أركانها اليوم، وشجّعني أكثر على الكتابة، وأكّد أنَّ الأمر أشد قسوة في واقعه، وكانت الرواية محور حديثه، هو وأصدقائه في تلك الأثناء
كل تلك الدوافع وأكثر، جعل التحدي أقوى بالنسبة لي، وألا أتخلى عن قراري، أو أتراجع، رغم التعب، والضغط، والتصاعد في الأحداث، وتعمدي إظهار شخصية أخرى مناقضة لعساف، وهو “خالد”، الشاب المسؤول، من أسرة مترابطة، تضع ضوابط لدخول التواصل الِاجتماعي، فقد كان من الضروري، إبراز الفرق بين الشخصيتين
وقد صاحب هذا التصاعد، تصاعداً في انفعال العاملين معي على المشروع، وتبرع الشاب عادل عزيز بتصميم بعض الهدايا للقارئ، لجذب الناس إلى الِاهتمام بالكتاب، واكتشاف ما فيه مثل (كارت به صورة الكاتبة، مع إهداء للقارئ خلف الصورة، وورقة ملحقاتها مصغرة، بصور شخصيات الرواية، وكارت دائري معبر عن الحالة، وكارت طولي معبر عن الحالة، للتواصل) وضعت داخل الكتاب
استلمت دار “روافد” الملحق التعريفي بـ “الستوكر”، وهو الفكرة الجديدة، التي قررت عملها، لأعَرِّفَ المجتمع أكثر عن الستوكر، وليس على “عساف” نفسه، ويتضمن الملحق تعريف الستوكر، وأنواعه، وكيف تتعرف على نفسك وأنت تتحول إلى ستوكر، وكيف تتعرف على من حولك من ستوكر، وموقف القانون منه، وكيف تحمي نفسك منه
وبعدما انتهى الفنان حسين جبيل من تصميم غلاف الملحق، اِستلم الرواية نفسها، في اللحظات الأخيرة في نهاية اليوم الأول من المعرض، وقد كانت أستاذة غادة صادق، قد غادرت المطار بعد الِانتهاء من رسم المشاهد الأخيرة من الرواية قبل الإقلاع، ولم يتسن لها أن تعمل عمل الـ “فوتوشوب”، والكتابة على الصور، وبعض الفواصل، فتوليت أنا هذا العمل بنفسي عوضاً عنها، وعملت تصميمات خاصة، وصوراً تعبيرية، وجمعت الشخصيات في لوحات إضافية، وكتبت الحوار على جميع الصور، مع الوضع في الاعتبار، أنني تعمدت أن تكون لغة الحوار المنطوقة، بلغة الميديا، والحوار النفسي بجمل أدبية مبسطة للشباب، واستصدرت الدار له رقم الإيداع، إلا أنَّ الدار لم تجد الورق الكافي للطباعة، وهنا تمّت الاستعانة بدار أخرى، هي دار “أرفلون”، ومديرها رائد قديح، والتي وفّرت الكتاب بالفعل عبر جناحها، وجناح دار “ببلومانيا”، فضلاً عن وجوده في دار روافد خلال المعرض، وتم عرض الكتاب في المعرض، لدى ثلاث دور نشر عوضاً عن واحدة
لم تحظ رواية “ستوكر” بالترويج الكافي لها، ولكنني قررت أن أغير منهج التعامل مع مسألة مناقشة الرواية، فمن المؤكد أننا لا نستطيع تجاهل هذا الدور في إثراء الكاتب، عبر البحث في الأمر أدبياً، وصرت أجد أنَّ دورهم الأهم لي مناقشتي، ككاتبة بشكل خاص في مشروعي، من خلال المقالات والدراسات المنشورة، أما مناقشات الجمهور، فأعتمد فيها على الشباب، ليناقشوا العمل واقعياً، واجتماعياً، وتبعات ما يرصدونه في حياتهم اليومية، وما يترتب على هذه الممارسات من مواقف، وأحداث يعيشونها بعيداً عن أهاليهم، وأستعين ببعض الخبرات في القضية، كأساتذة علم النفس، وعلم الاجتماع، ومختصين في دراسات جرائم الإنترنت، وإلى أي مدى تلامس الرواية واقعهم، والنماذج التي تمر عليهم
في الحقيقة تبدو لي هذه الخطوة مخيفة، لأنها جديدة على الأوساط الأدبية، لكني على يقين بفكرتي ومتمسكة بها، وأتوقع من الجميع دعم الفكرة في المستقبل
أنا سعيدة جداً بالتجربة، وهي الجزء الأول من سلسلة جرائم الإنترنت، الذي سيتبعه عدد من الأجزاء، التي بدأنا بالفعل العمل عليها، والتي ستكون بالتتابع تحت عناوين: (رابطة الهكر المتحدة)، و(بنت الكرنج)، يليهما (تكوسك أوفررر)، و(الشات السري)
غرفة 19
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”
- كتاب من اكثر الكتب تأثيراً في الأدب العربي والعالمي تحليل نقدي لكتاب- “النبي” لجبران خليل جبران
- فيروز امرأة كونيّة من لبنان -بقلم : وفيقة فخرالدّين غانم
- سلطة الدجاج بالعسل والخردل