ساقتني الأقدار هذا الأسبوع إلى حضور أمسية نقدية أدبية ، على الفضاءات الإلكترونية ، وتحديداً في الغرفة 19 الإلكترونية ، بتاريخ 03 مارس 2025 ، حيث دار الحديث حول المجموعة القصصية ” مارية وربع من الدائرة ” ، للكاتب السَعُودي حسن علي البَطرَان ، والتي تحوي مجموعة من القصص القصيرة جداً ، مما شدني إلى متابعة الأمسية حتى أَخرها ، مستمعاً إلى الأساتذة الكبار في النقد والأدب ، وإلى المتداخلين المهتمين ، للوقوف على حيثيات هذا الفن الأدبي الذي لا يزال غضَّاً ، وإن كان منتشرا عالمياً وعربياً ، إلا أنَّ أدبنا العربي لا زال يتعامل مع هذا النوع من الأدب على شيء من التأني والحذر ..
والحقيقة ، أنَّهَا ليست الأُمسية الأولىٰ التي أستمع إليها في هذا المضمار ، فمنذ عام مضىٰ دُعيت إلى أُمسية شارك فيها القاص الأردني محمود المصلح ، وهو صاحب روايات عديدة ، فكان هناك أول عهدي بالقصة القصيرة جداً ، وكُنت قد كتبت عن ذلك في حينه ، واليوم هاهنا أُجدد الأفكار ويتسع الأُفق لتكون الصورة أَوضح وأَنصع قليلاً في مجال القصة القصيرة جداً ..
أبدأ من حيث بدأت الأستاذة الدكتورة ” دُرِّية فَرَحَات ” عن نشأت القصة القصيرة جداً في الأدب العربي ، وهي الباحثة والقاصَّة والناقدة الأدبية والكاتبة اللبنانية ، حيث أشارت أنَّ القصة القصيرة جداً بدأت بالظهور في العالم العربي ، كَـ فَن من فنون الأدب ، في منتصف القرن العشرين ، وكانت تميز بحجمها الصغير جداً ، وهنا أجابت الدكتورة فرحات عن تساؤل حول عدد كلمات القصة القصيرة جداً ، فبعض المُحللين والدَّارسين يقول ؛ أنَّها قد تصل إلى مائة كلمة ، والبعض يقول أنَّها صفحة بالحجم المعتاد ، مما يعني أن القصة القصيرة جداً لا زالت قيد الدِّراسة والتحليل من حيث الحجم أو المضمون ، مع أنَّ الدكتورة فرحات عبَّرت عن رأيها بأن لا يتجاوز حجم القصة القصيرة جداً عن الخمسين كلمة مع أدوات الربط والعنوان ، أما الأستاذ حسن علي البَطرَان ، الكاتب السعودي وصاحب المجموعة القَصَصِيَّة ” مارية وربع من الدائرة ” يميل إلى أن تكون القصة القصيرة جداً بحدود المائة كلمة ..
ومن جانبه أثار الدكتور علي حجازي ، وهو باحث في مجال القصة القصيرة ، وحاصل على شهادة الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها ، ومقدم أطروحة ” تطور القصة القصيرة في لبنان ” ، فقال عن القصة القصيرة جداً ، أنَّ عنصر الزمن هو الأساس والمفصل في تصنيف القصة ، وأنَّ الحجم أو عدد الكلمات لا يعول عليه ، وأشار إلى ” اللَّمعَة القَصَصِيَّة ” التي تدهش القارئ أو المتلقي ، وأنَّها المرتكز الأساس في القصة القصيرة جداً ، وأضاف ؛ بأنَّ القصة القصيرة جداً لا تُؤتَىٰ إلا عن أديب مَوهُوب ، وكمَا تَهبِطُ الفكرة على الشاعر فإنها تهبط على القَاص أو الكاتب ، وكلُّ منهما يَصُوغُها على طريقته ..
أمَّا عن تسمية هذا النوع من الفن الأدبي ، فقد أشارت الدكتورة دُريَّة فرحات أنَّ تسميات عديدة ظهرت لهذا النوع ، ومن أبرزها ” القصة القصيرة جدا ” ( ق.ق.ج ) أو ( ق.ج.ج ) ، أو قد تسمى ” موجز ” أو ” الوجيزة ” لـِتعبِّر عن الإيجاز في القصة ، وكذلك أوضحت الدكتورة فرحات بأنَّ تسمية هذا النوع بـ ” الومضة ” غير محبب لديها ، لأنَّهُ يقود إلى الخلط بين ” الومضة الشعرية ” المتخصصة بالشعر والقصة القصيرة جداً ، وأنَّها تميل إلى التمييز بين الفنون الأدبية من خلال التسمية ، فلكلِّ نوع سِمَاته ومَيِّزاته .
وتحدثت الدكتوره فرحات عن ميِّزات القصة القصيرة جداً قائلة : ” امتازت القصة القصيرة جداً ( ق.ق.ج ) بخصائص متنوعة ، منها ما يكون جامعة مع الفنون الأدبية الأُخرىٰ ، ولا نقول أنَّها شيء بعيد لا يرتبط بالأدب في مُجمَلِه ، ولكن لها ما يميزها عن غيرها فهي ؛ سَريعَة ، خَاطِفَة ، مُكَثَّفَة ، مُختَزَلَة ” ..
وعندما تحدثت الفرحات عن ” التَّكثِيف ” في القصة القصيرة جداً ، أشارت إلى أن ” التَّكثِيف ” يؤدي دَوراً غَايَة بالأهمية ، وربَّما يُعد هو العمود الفقري والركن الأساس ، ولا يمكن الإستغناء عنه في هذا النوع من القصة ..
خلاصة القول ، أنَّ القصة القصيرة جداً ظهرت حديثا في الفنون الأدبية العربية ، وتحديداً في منتصف القرن العشرين ، وأَنَّ الحجم الأقصى للقصة القصيرة جداً متفاوت من كاتب لأخر ، فهو يبدأ من كلمات معدودة ، وينتهي بالخمسين أو المائة كلمة ، بما فيها العنوان وأدوات الربط ، او قد يكون صفحة بالحجم العادي ، وبعضهم قال أكثر من ذلك ، وبالنسبة للتسمية ؛ فقد تعددت التسميات بين ” قصة قصيرة جداً ” أو ” موجز ” أو ” وجيزة ” ، إلى غير ذلك ، ومن سمات هذا النوع من الأدب أنَّها ؛ سَريعَة ، خَاطِفَة ، مُكَثَّفَة ، مُختَزَلَة ، ومن الكتّاب والنقَّاد من يرى أنَّ ” التَّكثِيف ” هو السِّمة الأبرز في هذا الأدب ، ومنهم من قال بأنَّ ” اللَّمعة القَصَصية ” هي الأساس ، وتبقى القصة القصيرة جداً مجالاً غضَّا بالبحث والتطوير ورسم الملامح لِـ حداثته وقلة الأدباء الذِّين خاضوا في هذا المضمار ..
