
أيّها المتسمّرون خلف الشّاشات، أيّها اللّاهثون خلف التّسلية والمعلومات، لقد تحجّرت المآقي واستصرخت النّفوس الآهات وانطفأت شعلة الذّكاء خلف الشّاشات، وفقدت بريقها وحديث عيونها الأحياء، واختفت من قواميسها تلك اللّغات ، لغة العيون اندثرت، أنفاسكم تتردّد كلهثات محتضرة فاقدة لكلّ حياة ، وكأنّ الآلات سرقت من عيونكم بريقها ومن، قلوبكم نبضها ومحبّتها ومن عقولكم الفهم والتّفكير، لقد أفقدتكم هذه الشّاشات إنسانيّتكم فبتم ربوتات آلية ، وتخليتم عن ذكائكم الحقيقي ولجأتم إلى الذّكاء الاصطناعي تشحذون منه المعرفة وتلتمسون منه الرّاحة والعلم، على حساب عقولكم و ضياعكم للفهم.
أيّها المتحجّرون كالآلات، ما الّذي دفعكم إلى الهاوية وافقدكم معاني الحياة وباتت الشّاشات جحيما لا يطاق وهاجسا يؤرّق الآباء والأمّهات، نعم نحن في عصر المعلوماتية والمعلومات الّتي أفقدتنا خواصنا وسرقت منّا كلّ المهمّات الّتي من أجلها ولدنا، وبتنا نعيش في قرية كونيّة مفتوحة على سائر الثقافات والعادات، أين نحن من تراثنا؟ أين نحن من تربيتنا وأخلاقنا؟ أين نحن من مجتمعنا ومن حرمة البيوت والعائلات؟ أين هي تلك الأسس الّتي تبنى عليها الأوطان والمجتمعات؟ أين هي متعة الاختلاء بالله وروعة العبادات، لابل أين هي خصوصيّتنا والممّيّزات؟ أين نحن من ذواتنا ومن تميّزنا كشخصيّات؟ أسئلة نطرحها ولا إجابات.
ل
قد أدخلنا إلى بيوتنا الغريب من العادات والحضارات، لقد تداخل الشّرق بالغرب وتفتّت خصوصيّة المجتمعات ورحنا نسير في دروب مجهولة المسالك والتّعرّجات، في ركاب الحضارة فتخطينا المحظورات، وبات الذّكاء الصّناعيّ مرجعنا وبتنا نستقي منه المعارف والمعلومات ،ذلك المشحون بما عبّأوه من معارف مختلفة ومخزونات، فصار متردّدًا حائرّا، فإن أنت استسلمت له وآمنت به قد ينقل لك الصّحيح والخاطئ من الإجابات، وإذا ناقشته بأخطائه أبدى اعتذاره وأسفه وسارع إلى تغيير مصادره وتعددت حوله الرّوايات. وعليك أن تعود لذاتك إذا كنت مدركا للبيّنات، وإن فاتتك فلا بدّ من من الوقوع في الخطأ والجهل وهذا سوف يجرّك إلى الحضيض ويبدّل نورك إلى ظلمات.
أيّ علاقة بين الإنسان والآلة ؟ فهل هي علاقة تكامل وزيادة لما ينقصنا من معلومات؟ أم إنها علاقة اتكال وكسل وإهمال وحدّ من التفكير والحركة والرّياضات؟ أم إنّه كما تقول إحدى الأغاني اللّبنانيّة ” إنت لا تفكر نحنا منفكر عنك”؟ يقولون بأنه وصل إلى الفضاء وتطوّر إلى حدود الارتقاء وصار سيّدًا في السّلم والحرب وتولّى كلّ المهمّات، وقد يحوّل الكون إلى ما تحمد أو لا تحمد عقباه.
وماهو إلّا حصيلة جهود بشريّة حقّقت له وجوده وبدل أن تستعبده استعبدها وبات مصدرا لكل تطور تكنولوجيّ حديث.
ذلك المسمّى بالذّكاء المصنّع أو الاصطناعي، الفاقد لكلّ حياة أو مقوّمات، إنّه صناعة بشريّة وإذا عدنا إلى الإنسان وهو أشرف المخلوقات وهو صناعة ربانيّة، ذاك الّذي حباه الله عقلا وميّزه بالنطق والكلام، وأعطاه شعورا وهداية يلتمس من الوجود عبرة ويستقي من الطّبيعة أفكارا ونظريّات، ذلك الّذي له حقّ النقاش والعلم والفهم والمقارنات، والله يهدي ويحرم من يشاء، فعود على بدء وحنين واستشعار لخالق الكون ومحقّق الغايات. ويبقى الإنسان سيّد الكون، إن هو سار بهدي من ربّه واستنار بعقله، وارتقى بإنسانيّته فسيصنع المعجزات وسيتفوّق على الذكاء الاصطناعيّ وما تصدّره لنا تلك الآلات.
لست ممن يرفضون التّطوّر والتّكنولوجيا ولكنني أرفض أن تتحكّم بالإنسان وأن يصبح عبدا لها وأن تكون عائقًا لإبداعاته، محجّمة لقدراته الفكريّة ومواهبه الإنسانيّة. وأنا المؤمنة وأنا المؤمنة بأنّ الإنسان هو أشرف المخلوقات و كلّ ما أبدعه الله من عناصر الكون والطبيعة سخّره لخدمته وارتقائه واستدامته.
فكيف نجعل الآلة تتحكم بنا وتحدّد مصائرنا ؟