إشارات علماء اللغة العرب القدامى إلى وحدة اللغات الأفروآسيوية قليلة جداً، لعل أولها إشارة الخليل بن أحمد عندما قال بأن الكنعانية (الفينيقية) “لغة تضارع العربية”، وهناك بعض إشارات ذكرها الجواليقي والسهيلي، وغيرهما، عن علاقة العربية بالآرامية، وهي بمجملها إشارات عابرة بسيطة، على غير ما نجده لدى علماء اللغة اليهود في القرن العاشر الميلادي مثل جودة بن قريش وإسحق بن بارون، وخاصة في الاتفاق بين العربية والعبرانية والآرامية.
ربما كان ابن حزم (906 – 994م) استثناء من بين اللغويين العرب، في كتابه “أصول الأحكام”، وقد خصّص في الجزء الأول منه حديثاً عن مظهر من مظاهر وحدة اللغات الأفروآسيوية عندما قارن بين العبرانية والعربية وقال باشتراكها في أصل واحد هو السريانية، ولكن هذا البحث اللغوي لم يقيّض له أن يستمر على يد علماء اللغة العرب إلا بعد وفاته بزمن طويل، ومن الطريف أن آراءه ما زالت متقدّمة على آراء بعض معاصرينا، إذ لم يقل بأفضلية العربية على غيرها من اللغات، أو ينزلها منزلة مقدّسة أو غير طبيعية، لأنها لا تختلف عن غيرها من اللغات إلا بسمات قد تميزها، كما قد تميّز غيرَها من لغات الأمم سماتٌ أخرى.
قال ابن حزم في الجزء الأول من “أصول الأحكام”: “الذي وقفنا عليه وعلمناه يقيناً أن السريانية والعبرانية والعربية (لغة مضر وربيعة لا لغة حمير)، لغةٌٌ واحدة تبدّلت بتبدّل مساكن أهلها فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسيّ إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي”.
ثم يقول: “مَن تدبّر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم. وأنها لغة واحدة في الأصل، وإذ تيقّنا ذلك فالسريانية أصل للعربية وللعبرانية معاً”.
المصدر: صفحة الفيسبوك د. مؤمن محجوب