لا شيء يصقلك مثل الألم، وكأنّه إكسير مركّب بطريقة عجيبة، يحوّل كلّ ما فيك، ويغيّر طريقة تفكيرك، ويقلب واقعك رأسًا على عقب، ينسجك ويخيطك من جديد، فيكوّن نسخة جديدة منك، مستحدثة، متقبّلة للواقع بكلّ سلاسة وبساطة، دون تكبّد العناء بالمواجهة والرّفض ومحاولة التّغيير الّتي طالما سعى الإنسان إلى تغييرها وتعديلها بما يتناسب مع حياته ونمط تفكيره، ولكن نتساءل أحيانًا كيف تحوّلنا هكذا؟ ما هو السّبب؟ ولكن دون جدوى، فلا يوجد جواب شاف لهذه المعضلة الّتي لا جواب لها. أيعقل أنّ حياة الإنسان مرتبطة فقط بمشاعره؟ ولكن أين دور العقل في الموضوع كلّه؟
طبعًا لا، ليست المشاعر وحدها من تتحكّم بحياتنا ونمط عيشنا، فللعقل دور مهمّ وفعّال في هذا الصّدد، ولكن الإنسان بطبيعته يتصرّف حسب مزاجه في كثير من الأوقات، ومن هنا جاء دور الألم ليصبغ تصرفات الإنسان في فترات محدّدة بصبغته الخاصّة، فيخفض معدل مزاج الإنسان في حبّه للحياة، وذلك ما يجعله يفكّر بطريقة مختلفة تمامًا عمّا كان يفكّر بها قبل تعرّضه لهذا الكمّ من الألم الّذي يجعله يتغيّر بطريقة كبيرة وبسرعة تفوق العقل. لهذا فإنّ الألم الكبير الّذي يتعرّض له الإنسان في حياته يخلقه من جديد بنسخة جديدة وبعقلية مختلفة عمّا سبقها.
ولكن مع مرور الوقت، الّذي هو كفيل أن يبلسم جراح الإنسان مهما فاق عمقها، فتجده يبدأ بالتّطوّر إلى نسخة جديدة أخرى، فالإنسان مخلوق متغيّر، متجدّد، لا يستطيع أن يبقى على حالة واحدة مستقرّة لفترات طويلة.
ولكن بعد مرور الوقت، ورغم معافاته، إلّا أنّ الألم يبقى سجينًا في حنايا قلبه، وتبقى الذّكريات السّعيدة وحدها من تواسي الإنسان في تلك اللّحظات، لتذكّره أنّ الحياة لها وجهان، وهو مرغم على تذوّق لحظات الألم بمرارة، كما يتذوّق لحظات الفرح بسعادة.
فلا شيء يبقى على حاله، كلّ شيء سيمرّ تاركًا أثره في قلب الإنسان.