( سألني طفلي يوما : هل كان الاجداد في الماضي يعيشون في عالم من الاسود والابيض فقط ؟ ، بداية ضحكت على تلك الصورة التي انطبعت في خيال الطفل من مشاهداته للصور القديمة والفيديوهات القديمة ، لكن ذلك لفت نظري الى ثقافة الاجداد بالالوان ومدى أهميتها )
كانت الالوان ومسمياتها عند الاجداد ليست بالشيء الذي يعطى أهمية كبيرة ، فهم يعرفون الالوان الاساسية بمسمياتها ، فبالكاد يعرف الرجل العامي اربعة أو خمسة ألوان والباقي يأتي بالوصف ( فمثلا : اللون البني قد يكون باسم قهوي ، نسبة للقهوة ، او كاكاوي ، نسبة للكاكاو ، والاصفر قد يسمى ليموني ، وما الى ذلك ..
وهنا أورد ذكرى أخرى ؛ كان أبي يتحدث كثيرا انهم كانوا يملكون ( حمارا أخضر ) ، فكان يخطر لي أنه كان في القديم حمارا أخضر يشبه العشب ، او قد يكون يشبه العصفور الاخضر ، وحين كبرت قليلا راودتني الفكرة مرة اخرى ؛ كيف يكون هناك حمارا أخضر ؟ هذا مستحيل ، أو قد يكون ضربا من أساطير ، ليتبين لي بعد ذلك أن الاخضر الذي كانوا يقصدونه ، ما هو إلا اللون الرمادي الذي يميل الى البيج ( او ما يسمى الان اللون الفيراني ) .. أما الحمار الذي لونه بني فكان يقال عنه أحمر ..
أما عند النساء فكان الخيال اكثر خصوبة ، فهن كما اليوم يستطعن التمييز أكثر بين الالوان ، فهن قادرات على التمييز بين الابيض والسكري ، وكذلك يميزن بين البيج والطحيني ، والاصفر عندهن ؛ ليموني ، وكموني .. وهن مقتنعات أن الاخضر يشبه العشب او على الاقل يشبه الزيتون ( الزيتوني او الكاكي )
متاهات الالوان لا يعرفها الا النساء والصبايا ، أما الرجال فبالرغم من كل تطورات الحياة لا زالت الألوان عندهم مفاهيم هامشية لا تعني الشيء الكثير ، لذلك وضعوا لهم نظام الارقام للتميز بين الالوان عند اختيار لون الطلاء او الطراشة
وعندما غنت الفنانة سميرة توفيق للأجداد قالت : ( طير اخضر ، طير مبرقع … ) ، انما لم تقصد الاخضر الذي يشبه العشب ، انما ذلك الاخضر الذي يشبه حمار جدي ..
ودمتم. ..

الاحد ٠٤ أيلول ٢٠٢٢ )