
التافهون يحكمون العالم -كل يوم اتابع فيه نشرات الأخبار المكتوبة والمرئية ،وكل حوار خاصة مع مثقف أكاديمي موضوعه ما يجري من حرب ظالمه وبشعة في نتائجها أتذكر كتاب الفيلسوف الكندي آلان دونيو:
كتاب نظام التفاهة للفيلسوف الكندي “آلان دونو “تحت تأثير ما يجري في العالم سواء على صعيد السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة وحتى الفنون ،وكل مرة أتايع فيها وسائل الاعلام على تنوعها ،ينتابني شعور بالاشمئزاز لما آلت اليه الثقافة والسياسة والاقتصاد وحتى الاجتماع ومندرجاته من مؤسسات وتشكلات وتجمعات بصرف النظر عن الغطاء الشكلي من شعارات وقيم أخلاقية لم تعد تؤشر الى ما كانت عليه من سمو أخلاق على مر الزمن .
اذ بحسب دونو أصبحت السلطة حكراً على التافهين ، وامتدت لتطال شتى جوانب الحياة،من اقتصاد وعلوم وقانون الى السياسة ،في خطواتهم الوئيدة والمتسارعة ،سوف يضعون حداً لكل ما هو ممتع ، يجعلون من المخاطرة قاعدة في السياسة ،ويفتتون كل فكرة سياسية أصيلة ،الى فرق صغيرة .
يقدم “آلان دونو “في كتابه تحليلاً عميقاً وثاقباً لاذعاً أحياناً لزمن التفاهة هذا والذي سيطاول العقل البشري ويصيبه بالعقم ،بفعل الميول الحادة للفتور الثقافي والسياسي ،فالثقافة هي بدورها نظام اجتماعي يفضي الى السقوط المستمر .
ان الكتابة الفلسفية هي كتابة جريئة ، كونها تسلط الضوء على ما يعانيه المجتمع من فساد على يد سلطات فاسدة ، من أجل ذلك كان الشهداء من الفلاسفة كثر الذين مشوا على خطى أول شهيد فيلسوف ،عنيت سقراط .
وبالعودة الى “آلان دونو “الذي يستعرض مكامن التفاهة من خلال سيطرة اللغة الخشبية و الوقوف على مؤسسات ونظم :اللغة الخشبية الاكاديميا ،الجامعة -الخبير -التجارة ،الاقتصاد ،الحوكمة ،تنميط العمل ،اضمحلال الحرفة وظهور المهنة …
الثقافة (اللغة ،الصحافة ،الكتب ،التلفزيون ،الشبكات الاجتماعية ،الفن ،السياسة )
اذ تم اسباغ الثقافة على كل شيء .
عبر العالم ،يلحظ المرء ،صعوداً غريباً لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط المعياريين ويتابع دونو أوجه وتجليات التفاهة من خلال تراجع متطلبات الجودة المالية ، اذ غيب الاداء الرفيع ، وهُمشت منظومات القيم،،بينما نجد من يبرر الاذواق المتدنية ، ويتم ابعاد الاكفاء ،ولم نعد نشاهد التحديات ،لتهيمن اثر ذلك شريحة كاملة من التافهين والجاهلين ، ومن يتسمون بالبساطة الفكرية ،يتم كل ذلك لمتطلبات السوق ،يجري كل ذلك وسط التخفي خلف شعارات كالديمقراطية والحرية الفردية والخيار الشخصي وهذا الاخير سبق للفيلسوف “مونتسكيو “ان حذر منه صوناً للحرية بقوله ” ان ممارسة الحرية من قبل أكثر الشعوب ،تمسكاً بها لحملني على الاعتقاد بوجود أحوال ،ينبغي ان يوضع بها غطاء يستر الحريةمثلمازتستر تماثيل الآلهة “.
بعد هذاالاستعراض لأهم مفاصل ما جاء في كتاب ألان دونو “نظام التفاهة” ” أليس ما نعانيه في لبنان من تهافت على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية واللغة السائدة وتداعيات ذلك على التربية والثقافة من أبوابها المشرعة على مجمل التشكيلات والمتظومات السائدة في لبنان، تأتمر بإمرة مجموعة من التافهين .
ويعوّل دونو على الدور الذي من الممكن أن تؤديه النخب المثقفة، التي عجز عن سحقها نظام التفاهة، فنأت بنفسها عن مؤسساته، وانسحبت من أكاديمياته. هذه النخب، على الرغم من قلّتها وندرتها وتشرذمها، ما تزال قادرة على أن تفعل شيئا في وجه التدمير والتخريب الممنهجين لكوكب الأرض، إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا وأكاديميا وفنيا. ولعل الكلمة، التي يختم بها دونو كتابه، مليئة بالدلالات وطافحة بالمعنى “كن راديكاليا”، وإنني أردد مع صاحبنا الكندي “نعم أيها المثقف الحر، كن راديكاليا، وارفض نظام التفاهة، وارفض الأنظمة التي تستغل الشعوب وتدمّر مواهبها وموهوبيها وتستنفد مواردها وتنهب خيراتها. كن راديكاليا يا رفيقي، كن راديكاليا”.