الجوائز ..
والأجيال الشعرية الجديدة
ح1
تشير الجوائز التي ينالها شعراؤنا ولا سيما الشباب منهم على المستوى العراقي والعربي الى ظهور اجيال شعرية جديدة اثبتت حضورها الابداعي في مجال الشعر وخاصة القصيدة العمودية الجديدة او الحديثة التي استفادت من الحداثة في كل ما حققه الشعر من فتوحات فنية بكل اشكاله .. فجاءت هذه القصيدة لتؤكد اصالة الخطاب الشعري الجديد من ناحية، والى قدرته على امتلاك الساحة الشعرية العربية المعاصرة والتأثير بالذوق الشعري لدى الجمهور العام وليس النخبوي فقط من ناحية اخرى ..
وهنا نشخص حالة مهمة وهي عودة الشعر الفصيح الى الساحة العامة من الجماهير بعدما ابتعد هذا الشعر – الفصيح – عن هذه الساحة لمدة اكثر من ثلاثة عقود ولاسيما حين استخدم بعض الشعراء اساليب التغميض والتعتيم والتعقيد ولا سيما في قصيدة النثر ما جعل الجمهور العام بل حتى من الجمهور النخبوي الابتعاد عن تلقي الشعر والتفاعل معه وتركت الساحة العامة للشعر الشعبي حين صار اقرب الى نبض الشارع واحاسيس عامة الناس في قضاياها وهمومها وتطلعاتها ..فجاءت هذه الاجيال المتمتعة بالاصالة اولاً والقدرة على خلق خطاب شعري فني ومؤثر لتعيد للشعر الفصيح هيبته واقترابه الى ذائقة الناس فالشعر هو قول فني مؤثر ذو جمالية واضحة فقد انتهت مرحلة الغموض في الشعر والطلاسم التي عانى منها الجمهور العام كما عانى منها الشعراء الاصلاء وكما يقول نزار قباني :
نرفض الشعر كيمياءً ولغزاً
قتلتنا القصيدةُ الكيمياءُ
فالجوائز العراقية في مجال الشعر تترى ولا سيما في بصرتنا العنقاء وتسجل جمالاً واضحاً ليعود الشاعر الفصيح الى منصته بكامل قيافته الشعرية ولتؤكد القصيدة عودتها الى هذه المنصة اي الى الجماهيرية من جديد بعيداً عن الغموض المفتعل، بل حتى لو كان هناك بعض الغموض في قصيدتنا الجديدة فهو غموض شعري تمنحك القصيدة نفسها مفاتيحه فليس هناك مغاليق او طلاسم ..
وهذا الكلام ينطبق على قصيدة النثر فبعد ان توضحت جمالية الشعر ومفاتيحه الفنية نستطيع الآن ان نميز بسهولة بين قصيدة التثر والخاطرة ولا تُجدي الخطّارين ألاعيبهم اللفظية او تأثيراتهم الوقتية في الوسط ، كما لم يعد النظم الشعري الكلاسيكي التقليدي لدى النظّامين ذا حضور ،فصرنا نميز بسهولة ايضاً بين الشعراء والنظّامين كما نميز بين الشعراء والخطّارين ..
نحن نريد خطاباً شعرياً واضح المعالم الجمالية وان الذين راهنوا منذ عقود على الغموض المفتعل انتهت مرحلتهم واصطدموا بجدار الوهم وعاد الشعر نهراً رقراقاً صافياً لمن يحب ان يتأمله او يعوم فيه .
وليس الامر مقتصراً على الجوائز بل حتى في المهرجانات الشعرية المهمة مثل مهرجانات المربد فان الجمهور النخبوي والجمهور العام افرز هذه الظاهرة رغم كثرة الطارئين على الشعر ولكن المحك الفني يفضحهم فقد صار الجمهور صعباً والتلقي عاملاً حاسماً لأن التلقي للشعر صار امتحاناً بعد أن هدأت موجات التجريب التي كانت في اوجها في الستينيات من القرن الماضي فبعد الريادة في قصيدة التفعيلة التي انطلقت في الاربعينات من القرن الماضي وترسخت في الخمسينيات منه جاء الستينيون ليحاولوا ان يجيبوا على سؤال الحداثة المتجدد ( ثم ماذا ) فجربوا كثيراً
فكتبوا القصيدة الفراغية والقصيدة الكونكريتية وغيرها ولكن الذي الذي ثبت منها القصيدة الحقيقية التي هي قصيدة التفعيلة ولكنها تطورت فنياً وحين جاء السبعينيون هدأت موجة التجريب ورُوضت القصيدة وحققت امتداداً فنياً اخر .. وكذلك الأمر مع قصيدة النثر التي نهضت في الثمانينيات وتكرست في التسعينيات ولكن بقي منها ما هو خطاب شعري فني واضح ..
يتبع..