وُلد الطَّبيب والكاتب اللُّبناني الدُّكتُور «خليل سعادة» في عام 1857م، ببلدة «الشُّوير» في لبنان. وتلقَّى دروسه الابتدائيَّة في مدرسة «المُرسلين الأمريكان»، ثُمَّ تابع دراسته الجامعيَّة في الكُلِّيَّة «السُّوريَّة الإنجيليَّة» (الجامعة الأمريكية في بيروت حاليًا) حيث نال بكالُوريُوس الطِّبّ.
أظهر اهتمامًا خاصًّا بالقضايَّا الفكريَّة والاجتماعيَّة رغم توجُّهه العلمي الأكاديمي، وكان يكتُب خلال سنين دراستُه الجامعيَّة الأبحاث الفكريَّة والوطنيَّة، وظهر له أوَّل مقال في مجلَّة «الجنان» التي كان يُصدرها الأديب والمُؤرِّخ المُعلِّم «بُطرُس البستاني» (1819-1883م) في بيروت، وعُنوانُه: «تأخُّر بلادنا وتقدُّمها».
مارس مهنة الطِّبّ في بلدته «الشُّوير»، وفي بيروت بعد أنْ تخرَّج طبيبًا في عام 1883م. وقد تعاون الدُّكتُور «خليل سعادة» مع كُلّ من: عالم النَّبات الأمريكي الدُّكتُور «جُورج إدوارد پوست» George E. Post (1838-1909م)، والأديب اللبناني الشَّيْخ «إبراهيم اليازجي» (1847-1906م)، والباحث اللبناني الدُّكتُور «بشارة بن جبرائيل زلزل» (1841-1905م)، على إصدار مجلَّةٍ طبِّيَّةٍ علميَّةٍ هي مجلَّة: «الطَّبيب» التي استمرّ صُدُورُها عدَّة سنوات إلى أن أغلقت.
انتقل الدُّكتُور «خليل سعادة» إلى القاهرة وفيها أصدر عام 1886م عن المكتبة الشَّرقيَّة أوَّل كتاب لُغوي بعُنوان: «الطَّوالع السَّعديَّة في آداب اللُّغة الإنجليزيَّة»، وهو عبارة عن دليل لتعليم اللُّغة الانجليزيَّة بدون مُعلِّم. كما نشر روايته الأولى باللُّغة الإنجليزيَّة «الأمير السُّوري» أو «الأمير مُراد» في عام 1893م مُعْتَبِرُها قصَّة شرقيَّة تتضمَّن أهمّ العادات والتَّقاليد في لبنان و«حوران». وقد ترجمت إلى العربيَّة عام 1981م بعدما عثر عليها صُدفة الباحث «بدر الحاج» في مكتبة المتحف البريطاني عام 1978م.
أمَّا رواية «قيصر وكليُوباترا» فقد كتبها أثناء زيارته لمسقط رأسه عام 1895م، حيث طبعت في لندن عام 1898م، ثُمَّ نقلت إلى اللُّغة العربيَّة ونشرها في «ساو باولو» عام 1925م. وفيها ينتقد رواية «وليم شكسبير» (1564-1616م). وقد مثَّلت على خشبة مسرح كازينو ساو باولو عام 1928م، وقد قدّمها «خليل سعادة»، بقوله: «إنّ تأويلي لمصرع يُوليُوس قيصر، غيَّر حُكْم التَّاريخ في هذه القضيَّة».
وفي صيف عام 1905م أنجز روايته الأُولى باللُّغة العربيَّة المُعنونة: «أسرار الثَّورة الرُّوسيَّة»، وهي رواية تاريخيَّة تُعالج الظُّروف التي أدَّت إلى اندلاع ثورة 1905م في «بتروغراد». ونشر أيضًا روايته الثَّانية بالعربيَّة: «أسرار الباستيل» وفيها يُعالج الثَّورة الفرنسيَّة، ثُمَّ ترجم في العام 1906م «إنجيل برنابا» من الإنجليزيَّة، ونشر كتابه الطِّبِّي: «الوقاية من السُّلِّ الرِّئوي وطُرُق علاجه». وممَّا يُذْكر عن الدُّكتُور «خليل سعادة» أنَّه كان يُراسل من القاهرة جريدة «التَّايمز» البريطانيَّة ويتقاضى مبلغ خمس جُنيهات إسترلينيَّة لقاء كُلّ مقال.
في عام 1909م أنجز الدُّكتُور «خليل سعادة» مُؤلَّفه الشَّهير: «قامُوس سعادة» الذي يقع في مُجلَّدين (1765صفحة)، وهو مُعْجم إنجليزي عربي، وفيه ابتكر لأوَّل مرَّة مئات من الكلمات الفنيَّة في جميع فُرُوع العُلُوم والفُنُون، ولم تكن هذه الكلمات معروفة بالمعاني التي وضعها لها. وقد طبع في القاهرة عام 1911م، ووصفه بأنَّه أكبر قامُوس من نوعه في العالم.
وبسبب نشاطه الأدبي والوطني، أُبلغ من قِبَل السُّلطة الحاكمة بعدم رغبتهم ببقائه في مصر، فاضطرّ إلى الهجرة نحو أمريكا الجنوبيَّة في مطلع العام 1914م حيث أمضي هُناك العشرين سنة الأخيرة من حياته.
وفي مدينة «بيُونس آيرس» العاصمة الأرجنتينيَّة أصدر مجلَّة «المجلَّة» من أجل الخدمة الوطنيَّة والعلميَّة. كما كتب أبحاثًا تاريخيًّة باللُّغة الإنجليزيَّة في جريدة «ستاندرد»، وذلك في السَّنوات من 1914م إلى 1915م، كذلك أسَّس «نقابة الصّحافة السُّوريَّة في الأرجنتين» في نهاية عام 1915م بهدف حماية حقوق الصّحافيين السُّوريين في الغُربة. وأسَّس أيضًا «الجامعة السُّوريَّة» في أُكتُوبر عام 1916م بهدف تقارُب أبناء الجالية ومُعالجة الأمُور الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة والدِّفاع عن مصالحهم كمُواطنين.
أمَّا في عام 1919م فقد انتقل الدُّكتُور «خليل سعادة» إلى «سان باولُو» العاصمة البرازيليَّة، حيث أقام فيها واستدعى عائلته من لبنان. وبعد فترة أصدر صحيفته الأسبوعيَّة «الجريدة» واعتبرها صلة وصل بين الوطن والجاليات اللبنانيَّة والسُّوريَّة والفلسطينيَّة ولسان حال النَّهضة العصريَّة.
تحوَّلت «الجريدة» إلى منبرٍ لكافة الأقلام الوطنيَّة في المهاجر الأمريكيَّة الجنُوبيَّة حيث ظهرت فيها القصائد الأولى للشاَّعر اللبناني «إلياس فرحات» (1893-1976م) ، والشَّاعر «رشيد سليم الخُوري» (1887-1984م) المعروف بــــ «الشَّاعر القروي»، و«شاعر العُرُوبة». كما ظهرت أيضًا المقالات الأولى للصّحافي اللبناني «أنطُون سعادة» (1904-1949م) الذي عمل مُساعدًا لوالده في تحرير تلك الصَّحيفة.
في العام 1923م، وبعد توقُّف «الجريدة» عن الصُّدُور أعاد الدُّكتُور «خليل سعادة» إصدار مجلَّة «المجلَّة» من «سان باولُو» حيث استمرت بالصُّدُور لمدة سنتين. وفي مقالاتٍ كتبها في الصُّحف الصَّادرة في البرازيل، وجَّه نداء للجالية السُّوريَّة يدعُو فيها إلى التَّبرُّع بهدف إقامة تمثال للقائد السُّوري «يُوسُف العظمة» (1884-1920م)، الذي استُشهد في مواجهة الجيش الفرنسي. فأقبلت الجالية على التَّبرُّع وكلَّف فنَّان ايطالي بصُنْع التِّمثال وجرى إرساله إلى دمشق حيث انتصب في عام 1951م، في ساحة البرلمان السُّوري وسط العاصمة دمشق.
ومع مطلع عام 1930م كلَّفه عُمْدة «الرَّابطة الوطنيَّة السُّوريَّة» في «سان باولُو» أنْ يتولَّى رئاسة تحرير جريدتها «الرَّابطة»، وتولى الدُّكتُور «خليل سعادة» هذا المنصب حوالي أربع سنوات متتالية. كما اُنتُخب بعد فترة رئيسًا شرفيًّا لــهذه الرَّابطة وبقي في هذا المنصب حتى وفاته في العاشر من شهر أبريل عام 1934م.
ترك الدُّكتُور«خليل سعادة» أبحاثًا عديدةً لم تنشُر حتى الآن، إضافة إلى روايةٍ مخطُوطةٍ بعُنوان: «أنطُونيو وكليُوباترا». وقد عني في الفترة الأخيرة من حياته بدراسة وتلخيص النَّظريَّة النِّسبيَّة لعالم الفيزياء الألماني «ألبرت أينشتاين» Albert Einstein (1879-1955م). وممَّا يجدُر ذكرُه أنَّ الدُّكتُور «خليل سعادة» كان يُجيد إضافة إلى اللُّغة العربيَّة اللُّغات: الفرنسيَّة، والإنجليزيَّة، والإسبانيَّة، والبرتغاليَّة، والتُّركيَّة.