في حفلٍ أقامته، في القاهرة، «دار الشروق» لتدشين الرواية الجديدة للأديب الكويتي عبد الوهاب الحمادي «سنة القطط السمان»، وقدّم فيها الناقد محمود عبد الشكور الرواية وكاتبها، أثار بعض الحضور ممن قرؤوا الرواية وجود بعض المفردات العامية الكويتية، أو الخليجية عامة، ربما اقتضاها سياق السرد أو الحوار في الرواية، قد يستعصي فهمها على القارئ في البلدان العربية الأخرى، وفي ردّ الحمادي على ذلك شرح أن المفردات «العامية» في الرواية، وفي أحاديثنا عامة هي فصحى، وقد نجدها في المعاجم مرفقة بشروح لمعانيها.
تنبهنا هذه الملاحظة إلى أمر نغفل عنه، هو أن عامياتنا العربية، التي تبدو لنا «عامية» أو «دارجة» كما توصف أحياناً، هي فصحى، أو على أقل تقدير لها جذور راسخة في الفصحى، ولكن سياقات التطور الثقافي الاجتماعي التي تختلف بين بلد عربي وآخر، قدّمت مفردات بعينها على سواها في التعامل اليومي بين الناس وفي كلامهم في كل بلد أو منطقة جغرافية، فيما لم تجد المفردات ذاتها التقديم نفسه في بلدان أخرى، ولعل أنسب وأبلغ تفاوت يمكن أن نلحظه بين عامياتنا العربية هو ذاك القائم بين لهجات شعوب المغرب العربي ولهجات أهل المشرق.
حين نسمع نحن في الخليج، أو في المشرق العربي عامة، أحاديث اللهجة الدارجة في المغرب أو الجزائر أو تونس أو سواها من البلدان المغاربية، يستعصي علينا فهم بعضها، خاصة مع اختلاف طريقة النطق ومخارج الحروف، وهو أمر يحدث في البلد الواحد، فما بالك ببلدان بعيدة عن بعضها جغرافياً، نخال أن الكثير مما ينطقونه هو عامي، وما هو بذلك، فبشيء من التريث والتحري سنرى أنها مفردات عربية فصحى صميمة، ولكنها ليست حاضرة بالقوة نفسها في كلامنا، لذلك نحسبها عامية. والعكس صحيح أيضاً، فحين يسمع أبناء المغرب العربي الكلام العامي في الخليج أو بلاد الشام قد يستعصي عليهم فهم بعض مفرداته، التي قد يكون الكثير منها مفردات فصحى، ولكنها غائبة عن الحديث اليومي في بلدان المغرب.
هذا لا ينفي أن مفردات غير عربية آتية من سياقات التطور التاريخي لكل منطقة وعلاقتها بالجوار الجغرافي غير العربي دخلت في عاميتها، ففي حال المغرب العربي، مثلاً، سيلاحظ الباحث أن مفردات من اللغة الأمازيغية، اللغة الأصل هناك، قد تطعمت مع العربية في الحديث الدارج. وبحكم جوارنا في الخليج لإيران والهند والعلاقات التجارية القديمة مع البلدين، فإن مفردات من لغتيهما دخلت في كلامنا المحكي، وفي العراق والشام ربما يصادف الباحث مفردات بابلية أو سريانية أو آشورية في عامية هذه البلدان، وفي مصر حافظت مفردات فرعونية على حضورها، واندمجت في السياق العربي للحكي.
المصدر: صحيفة الخليج