لا أعتقد بأن مقولة الكاتبة الكويتية بثينة العيسى : القراءة الحرة تصلح ما أفسدته المدرسة : تنطبق علي، لسبب واحد ألا وهو،
( مغادرتي المبكرة للمدرسة، ولظروف كانت أكبر مني آنذاك. ) وربما لهذا السبب لم تفسدني المدرسة بقدر ما أصلحتني، وعلمتني القراءة والكتابة. ( دون أن أنسى بالمناسبة تجديد إمتناني أيضاً لكل من ساهم في هذه العملية. )
أما عن القراءة الحرة فقد بدأت علاقتي بها بعد مغادرتي للمدرسة، ولازالت ليومنا هذا مستمرة، وبشكل أعمق مما كنت أتخيله في بداية هذه العلاقة، والتي كانت تقتصر على قراءة المجلات. وبعض المقالات في جرائد هي الأخرى كانت تميزها أقلام أكثر انفتاحاً وإبداعاً.
( عن نهايات التسعينات أتكلم. )
أما عن الصنف الآخر من القراءة الخاص بالقصص والروايات فقد كانت له هو الآخر طقوس لم تعد موجودة في يومنا هذا من بينها : تغيير القصص بعد قراءتها مقابل نصف درهم عند الكتبي الخاص بالحي : وتلك العملية ولت مع الأيام.
القراءة غيرت حياتي، لكن لا أرغب حاليا في التوسع أكثر في الموضوع لأنه مشروع رواية، أشتغل عليها بعيداً عن الضجيج، ولأن البدايات دائماً ما تستحق تركيزاً والتفاتً صموتاً حول الذات، وبما أن القراءة غيرت حياتي قررت أن أكون أداة جديدة لتغيير حياة الآخر.
من خلال عملي بالمقهى الذي يمنحني مساحة هي الأخرى لطالما ساعدتني في ممارسة هذا التأثير بكل السبل المتاحة. في هذا المقام دعوني استحضر بعض القصص التي جمعتني مع رواد المقهى أو مع العابرين من أمامه – البعض مثلاً يستغرب ملاصقة الكتاب لدي في حين لا يستطيع أن يفهم الحالة الوجدانية التي يحاول أن يرتفع إليها عبر السيجارة الملفوفة اختبرها عبر كل كلمة اقرأها وليس عبر كل صفحة او كتاب حتى.
إذ تجدني دوما برفقة كتاب سواء كان ذلك أثناء مزاولتي لعملي أو كنت زبوناً بنفس المقهى حيث اشتغل. فبذلك احرص على هذه الرفقة التي تجمعني بالكتب. كما يحرص بعض الزبائن على ممارسة طقوسهم المعتادة داخل فضاء المقهى. كل على طريقته الخاصه فهناك مثلاً من يحب إحتساء قهوته وهو يتصفح جديد التفاهة على مواقع التواصل وهذا النموذج بالذات دوما ما تجده بدون سماعات هاتفه المحمول. يزعج بذلك زبناء آخرين. فأضطر للتدخل بالطريقة التي تليق، وغالبا ما يكون هذا النموذج تحت تأثير ما يسمى
ب( خردالة) وهي نوع من الحشيش أصبح يستهلك بكثرة يرجع ذلك لوفرتها، وأثمنتها المتواضعة التي جعلت الكثير من المدمنين عليها يبدون بملامح يطغى عليها طابع الإكتئاب.، ويرجع ذلك التأثير للتهجين الذي حصل في بذرة القنب الهندي الأصلية. ( يشاع كذلك انه تمت إضافة مواد كيميائية لها )
وهناك أيضاً زبائن لا يهتمون إلا بجديد الأخبار على شاشة التلفاز او سماع الموسيقى. ولي مع هذه الفئة أيضاً معاملة وتواصل خاص. هم غالبا ما تعجبهم اختياراتي الموسيقية وطريقتي في تذكيرهم بما يطلق عليه بالزمن الجميل.
لطالما ذكرتهم بأغاني هذا الزمن في كل اختياراتي ابتداءً من فيروز ونجاة الصغيرة ثم الست ام كلثوم، أما محليا فكنت اذكرهم بصوت الراحلة رجاء بلمليح ورائعتها (يا جارا وادينا) . ثم (كان يا مكان) لعبد الوهاب الدكالي. والقائمة طويلة والتي قد تشمل بعض المختارات الغربية كبوب دايلن وبانك فليود.
مؤخراً كنت بمحل للبقالة اقتني الحليب وهو محل مجاور للمقهى حيث اشتغل. ثم لفتت انتباهي فتاتان في سن الثالثة العشره تقريباً. كانتا تمران بجانب المحل وبيد إحداهن سيجارة تدخنها أمام الملأ على طريقة المبتدئين. مما استفز كل من تمكن من رؤيتها في تلك اللحظة خطر ببالي شيئ واحد الا وهو تعبير تلك الفتاة عن تمردها بتلك الطريقة بالرغم من ان هيأتها تقول العكس، وذلك مازاد من صدمة الكل. عند رؤيتها حيث كانت لكل منهم ردة فعله الخاصة . ذكرني أيضاً ذلك المشهد بالفريسيين مع السيد المسيح عندما قدموا اليه إمرأة امسكت في حالة زنى، ورده الشهير من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر.
لم تمضي على المشهد عشر دقائق عندما عدت لمحل البقالة فوجدتها هي الأخرى هناك. هذه المرة سمحت لنفسي بالتدخل فطرحت عليها سؤالاً مباشراً امام صديقتها قلت لها فيه هل تعيشين ظروفاً قاهرة؟ وقبل أن تجيبني بدأت دموعها في الإنهيار.
بعدها أخبرتني بأنها تعيش ظروفاً اسرية صعبة. وبعد انتهائي من الإصغاء إليها.
سألتها إن ترغب في قراءة قصة على شكل سيرة حقيقية لفتاة في سنها تعرضت للاستغلال فكان ردها بنعم هي وصديقتها فأحضرت لهم فيما بعد خمسة نسخ من تلك السيرة لها ولصديقاتها، وأوصيتهم بالاعتناء بصديقتهم تلك مع مكافأة كل واحدة منهن بعمل روائي.
أسلوب رائع مسترسل و لكن النظرة ديقة قليلا لأنها لا تتناول المرجع الأصيل في البحث فالإستنادات عاطفية أكثر مما هي منطوية على فهم عميق للناس من ناحية الوعي