هنري زغيب للنهار
السيدة هي جرترود فيرنون Vernon (1864-1932). متزوجة من إِندرو نويل أَغْنْيُو. قَبُها: سيّدة قصر لوكْنُو Lochnaw. الرسَّام هو الأَميركي: جون سنجر سارجِنْتْ (1856-1925). تاريخ اللوحة الزيتية: 1892. موضوع اللوحة: “الفقر والغنى – جرترود سيّدة قصر لوكنُو”. قياس اللوحة: 127x101 سنتم.
الآن فلْتَبْدإِ القصة.
مَن تكون؟
ولدَت جرترود فرنون سنة 1864، وهي ابنةُ النائب غوران فرنون (1825-1872) وحفيدة البارون الأَول روبرت فرنون (1800-1873). تزوجَت سنة 1889 من السير إِندرو نُويل أَغْنْيُو (1850-1928) سيد قصر لوكْنو في ويغْتاونْشَاير (سكوتلندا). سنة 1892، طلب إِندرو من الرسام الأَميركي جون سنجر سارجنْت أَن يرسم له زوجته جرترود، فكانت تلك اللوحة (الموفَّقة جدًّا) سهمًا إِضافيًّا زاد من هَيبتها وشهرتها. تُوفيَت في لندن سنة 1932 بعد سنواتٍ أَخيرة قاسية عانت خلالها من وهْنٍ في صحتها. ويدور القول إِن الأُسرة وقعت في ظروف اقتصادية صعية جدًّا فعرضَت تلك اللوحة الشهيرة للبيع. تَقدَّم لشرائها سنة 1922 مجلس أُمناء متحف فْرِيكْ، وهو تأَسس في مانهاتن – نيويورك سنة 1935 من مجموع أَعمال الصناعي هنري كلاي فْرِيْكْ (1849-1919) من مجموعة لوحات نادرة كانت اقتَنَتْها ابنتُه هلِن كلاي فريك منذ 1922). لكن هلن (1888-1984) رفضَت شراء تلك اللوحة لضَمِّها إِلى مجموعتها.
نهاية حزينة لها وللَّوحة
شهرة جرترود (الليدي أَغْنْيُو)، بفضل تلك اللوحة، جعلَتْها طويلًا سيّدةَ المجتمع الأُولى في لندن منذ 1892. ولكن تلك الشهرة كانت مكْلِفة جدًّا. فرغم تلك الشهرة الاجتماعية في الأَوساط اللندنية، لم تجد اللوحة مَن يشتريها عندما وقعَت الليدي في ضائقة مالية فاضطُرت إِلى الاستدانة من مصادر متعددة عند أَواخر حياتها. وأَخيرًا اشتراها سنة 1925 “المتحف الوطني السكوتلندي” في إِدنبُرغ بما كفاها لسداد ديونها. وشاءَت سخرية القدر أَن يموت رسامها سارجنت في تلك السنة ذاتها. ويرجّح النقاد ومؤَرخو الفن أَنها، أَخلاقيًّا وكرامةً، لم تعرضها للبيع على حياته، حتى إِذا علمَت بوفاته عملَت إِلى بيعها بعدما اندلعت شهرة اللوحة كأَحد روائع الأعمال الفنية في العصر الفيكتوري إِذ بدت فيها الليدي جرتورد سيّدة من ذاك العصر، جميلةً ذاتَ حضورٍ عصريٍّ هيَّاب، جمعت في هيبتها الأُنوثة والحداثة بتناغم ساحر.
الليدي جرترود في اللوحة الكاملة
الفضل لزوجها
الفضل في هذه اللوحة يعود أَساسًا إِلى النائب في البرلمان إِندرو أَغْنْيُو زوج جرترود، وكان يكبرها بخمسة عشر عامًا ويحبها بجنون فائق. لا يَذكر النقاد ومؤَرخو الفن دافع زوجها إِلى تكليف سارجنت بالذات وضْع هذه اللوحة، لكن الأَرجح أَن الزَوجين أَغْنْيُو التقياه لدى أَصدقاء أَميركيين مشتركين. وفي أَوراق إِندرو الخاصة مذكرات تَشي بأَن إِنجاز تلك للوحة لم يستغرق من الرسام سوى ست جلسات فقط.
أَما عن الجلسات في ذاتها، وما كان منها وفيها، فأَقتطف نبذة مما ورد في كتاب “100 لوحة خالدة في متاحف سكوتلندا الوطنية” (إِدنبُورغ 2015)، جاء فيها: “بين جميع ما رسَم سارجنت لوجوه سيدات المجتمع في لندن، تبقى لوحته عن الليدي أَغْنْيُو من أَبرز روائعه على الإِطلاق. وكان النجاح مثمرًا للرسام والسيدة معًا، إِذ ركَّز سارجنت كأَهم رسام وجوه (بورتريه) في عصره، وركَّز جرترود إِحدى أَبرز سيدات مجتمع النُخبة في عصرها”.
جرتورد يوم زواجها
… وهذا السارجنت مَن يكون؟
في تلك النبذة لمحة عن الرسام جاء فيها: ” وُلد سارجنت في فلورنسا، وأَمضى طفولته متنقِّلًا في أُوروبا مع والدَيه الأَميركيَّيْن الثريَّيْن اللذين كانا دائمَي السفر والسياحة. سنة 1874 انتسب إِلى محترف رسام الوجوه (البورتريه) كارُولُوس دوران (1837-1917) المعروف بأَنه كان رسام نخبة المجتمع الباريسي. وتمكَّن الشاب سارجنت من الجمْع الناجح بين براعة أُسلوب معلِّمه في رسم الوجوه، ودراساته عن مبدعي الرسم الخالدين: الإِسباني فيلاسكيز (1599-1660) والهولندي رامبرانت (1606-1669)، وخصوصًا منهم مونيه وأَعلام الانطباعيين.
جون سارجنت بريشته البارعة
مدام X
لوحتُه “مدام x ” (1884) عن السيدة فرجيني غوترو زوجة المصرفي بيار غوترو، وضعَها سارجنت بطلب شخصي منه لا من زوجها. وهي أَحدثت فضيحة صادمة في معرض باريس السنوي عامئذٍ (1884) لِمَا جاء فيها من جرأَة وإِثارة غير عادية. وحين انتقل سارجنت إِلى لندن سنة 1886، وجد بعض الصعوبة في مَن يقدّر براعته في رسم البورتريه بدقَّة مذهلة لا تخو عند اللزوم من بعض الفضائحية. ثم راح الوسط الأَرستقراطي يتنبَّه له ويكلِّفه رسم بعض الوجوه التي لفتت إِليه النقاد فامتدحوه بإِعجاب. وحين عرض لوحته “الليدي أَغْنْيُو” في “الأَكاديميا الملكية” سنة 1893، كتَب عنه أَحد النقاد: “سارجنت امتلَك لندن ببراعة مذهلة”.
عن هذه اللوحة جاء في النبذة ذاتها ما يلي: “تبدو الليدي أَغْنْيُو في هذه اللوحة جالسة في مقعد من طراز لويس السادس عشر، وراءَها ستارة شفيفة صينية حريرية. المقعد والستارة من أَثاث محترف سارجنت. وتبدو الليدي ذات عافية ضئيلة بعد إِبلالها من وعكة صحية بالإِنفلونزا أَصابتها سنة 1890. وتبدو غير متعافية تمامًا في جلستها أَمام سارجنت، ما اضطره إِلى التعويض ببعض ملامح عافية من ريشته. وتبدو الليدي تتطلع إِلى رائيها بنظرة ثاقبة ذكية لا تحجُب عن الرائي ثوبها الحريري الأَبيض والليلكي الجميل جدًّا، خصوصًا في ثنياته وما فيه من ظلال وعطفات وانحناءَات جاءت تكمل براعة سارجنت في التقاط التفاصيل وإِبرازها ببراعة مذهلة تُظهر الفخامة البورجوازية.
براعتُه في لوحة “سيدة القصر”
لكل هذا، خرجَت الليدي من اللوحة سيّدة مجتمع غير عادية في بيئتها، تستقبل في صالونها نخبة القوم عصرئذٍ، محاطين بلوحات كثيرة جميلة جدًّا، إِلى أَن ساءَت أَحوالها في أَواخر حياتها فاضطرَّت إِلى بيع عدد كبير من تلك اللوحات الثمينة، حتى باعت لوحتها الخالدة التي اشتراها متحف سكوتلندا الوطني سنة 1925.
تفاصيل أُخرى عن اللوحة وسيّدتها ورسَّامها في الجزء التالي من هذا المقال.