تنوع الشخصيات في رواية رسائل نادية للأديبة نهى عاصم

الاستاذة هناء عبيد

رسائل نادية هي أولى روايات الأديبة نهى عاصم، وتقع في ٢١٥ صفحة من الحجم المتوسط وقد صدرت عن مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر.

الغلاف:
يظهر على شكل مظروف رسائل، يوجد في ركنه العلوي ناحية الشمال صندوق بريد خشبي، يعطينا الغلاف انطباعًا على أن رسائل نادية رسائل ورقية، وليست ألكترونية. وبالتالي نستطيع أن نستنتج أن الفترة الزمنية الّتي تتحدث عنها الرواية لا بد وأن تكون قبل فترة انتشار وسائل التواصل الاجتماعية.

العنوان:
رغم أن عنوان الرواية تقليديًّا ومباشرًا إلا أنه لافتًا فهو يدعو إلى التساؤل، أية رسائل تلك الّتي تتحدث عنها نادية؟ هل هي رسائل عادية أم هي رسائل مواعظ، ولمن ترى كتبت هذه الرسائل وفي أيّ وقت بالتحديد؟ ولولا أن الغلاف أوحى لنا بأن الرسائل كتابية وورقية لكان لدينا تساؤلنا حول نوعية هذه الرسائل؟ هذه التساؤلات الّتي نتجت عن العنوان هي إحدى وسائل التشويق الّتي اتبعتها الأديبة نهى عاصم لنمضي قدمًا في الاسترسال بالقراءة.

أما الإهداء فهي تهديه إلى والدتها الّتي علمتها الإحساس بقيمة الرسائل ووالدها الّذي كان يراسلها من كل ميناء يذهب إليه وإلى كل من أحب تبادل الرسائل. وهو عتبة مفتاحية لما قد تحتويه هذه الرواية من رسائل إذ توحي بأنها خطت من القلب إلى كل الأحبة ذوي الإحساس المرهف.

ثيمة الرواية:
تتحدث الرواية من خلال الرسائل الّتي تبادلتها نادية مع أحبتها عن العديد من القضايا الاجتماعية المهمة، مثال التفكك الأسري، استغلال بعض الأزواج للزوجات، الغربة وما يعانيه المغترب في حياته على كل الأصعدة ، التحرش الّذي قد تتعرض له بعض السيدات، العادات والتقاليد الّتي تفرض أحيانًا الزواج من الأقارب رغم رفضهم لذلك، أحلام الشباب المحطمة الّتي تذهب أدراج الرياح بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة، فساد بعض المحامين وتغيير وجهة دفة العدل والحق، معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وذويهم، الخيانة بين الأزواج، الميراث، وغيرها من القضايا المهمة في مجتمعاتنا العربية.

وقد جاءت الرواية في أربعة فصول بدأت فصول الرواية برسالة إلى أمها، نتعرف من خلالها على أن نادية تعيش في الغربة بعيدًا عن أبنائها، كما تتوضح لنا مهنتها فقد كانت تعمل خياطة في قصر وتقوم بتفصيل الفساتين لصاحبة القصر وهي أميرة من أميرات العائلة المالكة في السعودية. ثم نتفاجأ بالحدث الأكبر الّذي لم نتوقعه والّذي قرأنا على إثره رسائل إلى العالم المجهول. ثم ننتقل إلى الفصل الي تضمن مواجهة للحقائق ومحاولة لنسيان الماضي الّذي أبى إلّا أن يكون حاضرًا بحزنه وألمه.

تقنية السرد:
تنوعت وسائل السرد على مدار الرواية، فتارة جاءت بلسان الراوي العليم وتارة بضمير المتكلّم أو الأنا، وهكذا استمر السرد بالمناوبة. كما اسْتُخدمت تقنية الرسائل، وكان للحوارات الخارجية والداخلية نصيبها في التعريف على الأحداث والشخصيات، وقد انتقلنا إلى الماضي من خلال تقنية الاسترجاع الّتي تضمنتها الرسائل. وكان لتقنية اليوميات دورها في السّرد والّتي تمثلت في “يوميات كاتب أصبح جدًّا”.

الشخصيات:
تعددت الشخصيات في الرواية بحيث شملت معظم شرائح المجتمع، وقد ظهرت لنا بوضوح بصفاتها الفيزيائية والاجتماعية والنفسية، وكان لكل منها دوره في سير الأحداث. من خلال هذه الشخصيات ندرك مهارة الأديبة في التعريف بوضوح عن كل شخصية، فهي تلج إلى نفسها وتغوص بعمق في مشاعرها وأحاسيسها، كما تطلعنا على حياتها الاجتماعية بحذافيرها، لنعيش مع كل شخصية وكأننا تفاعلنا معها وقابلناها.

نادية:
هي الشخصية الرئيسية الّتي ارتكزت عليها أحداث الرواية، وقد استطاعت الكاتبة أن تصور لنا هذه الشخصية بكل أبعادها، الفيزيائية والاجتماعية والنفسية، فنادية “ولدت طفلة جميلة سمراء، ذات شعر أسود كثيف وعيون شديدة الاتساع، وملامح تعد بالجمال الفتان، وهذا ما جاء على لسان الساردة في صفحة ١٥. كما نتعرف على الحالة الاجتماعية لها إذ تقول في ص ١٥ “كنت الكبرى بين إخوتي، المقربة من أبي، ثم تقول فبالرغم أنه كان عاملًا بسيطًا إلا أنه كان يهوى القراءة، مات أبي وتركني أنا وأختين وأخًا بلا مال أو معاش”. كما تتضح لنا شخصية نادية القارئة النهمة، تقول في الصفحة ٧١ ” لدى الأستاذة هدى مكتبة، أقضي يومي كله فيها أقرأ وأقرأ، وقد قرأت فيها الكثير، الخ” كذلك نتعرف من خلال السرد على إنسانية نادية فهي جميلة الروح، ولديها لمسات إنسانية واضحة، نستشفها من تصرفاتها وسلوكياتها ورغباتها، من ذلك مثلًا فكرتها في إنشاء جمعية خيرية يعود ريعها لصالح الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ذهنيًّا وبدنيًّا. وقد جاء على لسان صديقتها عبارة تدل على مدى تعاطفها مع الآخرين إذ تقول: “بك يا نادية شيء ما، يجعل الجميع يحكون لك حكاياتهم، وينفضون أحزانهم على كتفيك”. كما أنها صديقة مخلصة لا يمكن أن تفشي سرًّا، حيث تقول “مزقت الرسائل لأنها صفحة وانطوت فلا إفشاء للأسرار”، وهي أيضًا لا تنسى عشرة العيش والملح وتتواصل مع أحبتها في كل المناسبات.

أما عن الناحية النفسية فقد أحسسنا وشعرنا وتأثرنا بالاضطرابات النفسية الّتي واجهتها نادية، حيث الغربة ووجع البعد عن الأبناء، والألم الّذي مزق روحها بسبب زوجها سعد الّذي أجبرها على العمل بالسعودية بعد عودته لمصر وتعاطيه للمخدرات، وكذلك عشنا معها صراعاتها الداخلية الّذي نتج عن الأذى الّذي تلقته من هاشم صديق زوجها.

الشخصية الثانية:
محمود شخصية محورية في الرواية، يعمل سائقًا في السعودية، يساند نادية ويدعمها في الغربة، نتعرف أيضًا على حالته الاجتماعية في ص ٢٨؛ فهو الشاب الّذي درس التاريخ وكفر به بسبب الأوضاع السياسية مما أجبره على الاغتراب والسفر إلى السعودية للعمل فيها سائقًا كي يستطيع إعالة أمه وأخواته بعد وفاة والده. وهناك شخصية هاشم سكرتير الأميرة الّذي يمثل جانب الشر والأذى ويشاطره في هذه الأخلاقيات زوج نادية سعد السباك الّذي يرفض التعرف على أولاده فتقفل صفحة قبل أن تفتح كما ذكرت الساردة. ثم العنود الأميرة الّتي تزوجت ابن عمها كرهًا للحفاظ على العادات والتقاليد، بينما أحبت عماد ابن خالها. وأيضا من الشخصيات الّتي كان لها دورها في الرواية أختاها نهلة ونسمة وأخوها نبيل.

أما الرسائل فقد كانت متعددة وساهمت في تعريفنا على جميع أحبة نادية الّذين كان لهم دورهم في تسليط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية المهمة منهم أمها، محمود السائق، مدام هبة؛ صديقتها في الإسكندرية الّتي تركت العمل عند المحامي لفساده. سعد؛ زوج نادية الّذي أخبرها بوفاة ابنها حمادة وقام بطلاقها. عواطف؛ صديقتها الّتي توفي زوجها ولها ابنة تطلقت وعادت لزوجها. بسمة الّتي خانها زوجها واعتقدت انه سيتزوج أميرة الّتي تبين براءتها من ذلك فيما بعد، إذ رفضت زواجها منه. نبيل نهلة نسمة؛ وهم أخوات نادية وأخوها الّذين اعتذروا عن موت حمادة ولم يخبروها بموته إلا بعد حين. سعاد الّتي ذهبت للعمل في الكويت وغيرهم من الشخصيات الّذي كان لكل منهم دوره في إثراء أحداث الرواية

.
المكان:
دارت معظم الأحداث في السعودية، حيث تغربت نادية والتقت بمحمود، ثم الاسكندرية الّتي لا تبارح فكر الكاتبة، فنرى شوقها الدائم لها بوضوح بل ونستمع معها إلى الأغاني الّتي تتغزل بسحرها مثل أغنية محمد منير يا اسكندرية. بحرك عجايب يا ريت ينوبني م الحب نايب أيضًا تتحدث عن أماكن مهمة في القاهرة رغم عدم زيارتها لها مثل السيدة زينب والسيدة نفيسة والحسين، وندرك مدى توقها لزيارة العديد من الأماكن مثال الأهرامات، البرج، متحف القاهر، الأقصر أسوان، وغيرها. فالاماكن بلا أدنى شك من أهم عناصر الرواية الّتي تأخذنا بخيالنا إلى بقع جغرافية متعددة رغم عدم مبارحتنا لمكاننا.
زمن الرواية كان خلال فترة الغزو على الكويت وامتد إلى وقتنا الحاضر الّذي غزته الرسائل الألكترونية.
لغة الرواية، سلسة من نوع السهل الممتنع تصنيف الرواية، رواية اجتماعية واقعية ذات رسائل إنسانية متعددة، وهي رواية جدير بالاقتناء والقراءة، وتعتبر إضافة نوعية لرفوف المكتبة العربية.