يعتبرالفنان الأسترالي ستيلارك أحد ابرز فن الأداء الحي في الفنون البصرية المعاصرة ، ترجع أصوله الى قبرص التي ولد فيها واسمه الحقيقي ستيليوس اركاديو ، وستيلارك هو اسمه الفني الذي يجمع بين اسميه العائلي والشخصي . تمير هذا الفنان بجرأة كبيرة في تعامله مع جسده كمادة خام لإنجاز عروضه الفنية ، هذه الجرأة التي لم يتم قبولها في استراليا دفعت به إلى أن يرحل الى اليابان أولا ليجد التربة الخصبة لتطوير فنه ، وبعد ذلك يعود إلى بلده بعد أن لقي شهرة واسعة .
ترتكز أعمال الفنان ستيلارك على الجسد وعلاقته بالآلة والتكنولوجيا الحديثة ، هذا الجسد الذي هو بمثابة بنية معمارية قابلة للبناء والتطوير بإضافة عناصر أخرى إليها ، سواء كانت هذه العناصر الات ميكانيكية او بشرية ، وتتم هذه العملية بالإضافة أو إعادة التوطين كما فعل في الّأذن التي غرسها في ذراعه ، وأصبحت هذه الأذن مرتبطة بشبكة الانترنيت بواسطة غرس ميكروفون مجهري ليتم رصد أصوات وتحركات الفنان مثل جهاز ( جي بي اس) ، فهو يحلم بان يتحول الانسان الى بوابة الكترونية مرتبطة بشبكة الانترنيت ويذهب الى اكثر من ذلك في حلمه بتطوير مشروعه حيث يقول ” تخيلوا معي أنه يمكن لي ان اسمع بأذني شخصا في نيويورك ، وأن ارى بعيني شخصا في لندن “
تعود فكرة هذا المشروع الى سنة 1997 وساهم في انجازه الكثير من اطباء الجراحة وعلماء البيولوجيا الى ان تم غرس هذه الاذن سنة 2013 .وتداخل في هذه الأذن ما هو بيولوجي واصناعي ، وأصبحت أذنا ثالثة للفنان ولكن تختلف عن أذنيه الحقيقيتين من حيث ان الأصليتين هما للاستقبال اما الثالثة فهي للإرسال ، وهنا تطرح مشكلة جسد الانسان الذي هو في الحقيقة مستقل بذاته ولكن بغرس هذه الاذن اصبح مرتبطا بغيره .وهل هذا الجسد الذي يتم رصده في امكنة متعددة هو في نفس الوعاء المكاني أو الزماني بالنسبة للفنان وعلاقته بالأخرين ؟ . وما هي حدود التجانس والتنافر بين تشريح معمار الجسد الحقيقي والأعضاء التي إضافتها اليه سواء كانت بيولوجية أو اصطناعية ، لان هذه الاضافات لا تتم في اطار تعويض يد مبتورة أو غرس عضو بدل آخر ، بل الفنان في آداءاته يضيف أعضاء كاليد الثالثة والعين الثالثة ، وهذا ما يحيلنا الى بعض المعتقدات الهندية كالعين الثالثة والالهة ذات الايادي الكثيرة وبعض الطقوس كالشخوص التي تحاول تحدي الالم وتجاوزه بإدخال أدوات حادة في الاجسام إضافة إلى التخاطر الذهني . .وهل ما يقوم به الفنان ستيلارك يعتبر فنا أو علما مرتبطا بالبيولوجيا والتكنولوجيا الحديثة لاستشراف افاق جديدة لحدود هذا الجسد ؟ ومادام الفن ابتكارا وابداعا فهل الاستشراف يعتبر فنا ؟
هي اسئلة كثيرة ومعقدة ومحيرة جدا لا يمكن الإجابة عنها بسهولة في ظل الغموض الذي يكتنف مفهوم الفن والحدود الفاصلة بينه وبين اللافن . و من المؤكد أن هذه الهجانة فرضت نفسها وامتزجت فيها الفنون الى درجة انه اصبح من الصعب على الانسان ان يميز بينها وفق التصنيفات القديمة ،
فجسد الفنان أصبح هو الحامل والقطعة الفنية معا، وفي سؤال للفنان عن سبب اختياره لجسده بالذات كحامل لعمله الفني ، أجاب ستيلارك ” هو أنه من الصعب بالنسبة لي أن أقنع الأجسام الأخرى بالخضوع لتجارب صعبة ومؤلمة في بعض الأحيان”.ولكن.
وبخضوع الفن لسلطة التكنولوجيا الحديثة وعالم الرقمنة انفتحت آفاقا جديدة للفن ستتجاوز “ما بعد الحداثة” . وستتجه الكثير من الفنون المصنفة إلى الجدار لتعلن عن موتها، بعد الإجهاز نسبيا على اللوحة وبدرجة أقل على النحت.