كتب/ ياسر عبد الرحمن
- نجحت د/سميرة شرف في تشييد بناء ذكرياتي مفتوح النوافذ كاشفا لتفاصيل الروح
- حين يكون الرجل صفقة خاسرة والمرأة صديقة لدودة
“هذا الوجه” يطرح ترنيمة مقاتل أثخنته الطعنات ويرفض الهزيمة:-
المحاربون يكرهون لحظة الضعف ولحظة الاستسلام، والكاتبة وضعت أبطالها في مواجهات صفرية، حيث لا يوجد خسارة أقصى من الهزيمة، والهدف ان تستمر المعركة رغم أى أوجاع، فلا انتصر الأبطال في النهاية ولا انهزموا، ولكن المعركة مستمرة طالما كانت الكاتبة مستمرة في معركتها مع الحياة، وترفض الهزيمة.
ففي قصة البيت القديم، تتمسك البطلة بعدم بيع بيت العائلة وحين يصر جميع الأشقاء على البيع، تقوم هى بالشراء، مؤكدة على فكرة الانتماء لهذا المكان، وكأنه وطن ترفض أن تهجره، بل وتقرر الإقامة به تاركة ترف المدينة وزينتها.
وفى قصة “البوم صور” تواجه الطفلة بقوة تنمر الأطفال بالمدرسة، بسبب إعاقة في قدميها، ولم يمنعها ذلك من أن تتفوق وتصبح (دكتورة) ناجحة كما وعدت أمها، وفى قصة “الزيارة انتهت” تواجه حبيبها بكل إرادة وتطرده خارج المنزل، بعد أن تأكدت من خيانته المزدوجة لها ولزوجته.
وفى قصة “القفص” تصر رغم شدة الألم في قدميها، أن تنزل إلى الشارع وتمشى حتى بائع الدواجن لشراء احتياجاتها، دون أن تصرخ من شدة الوجع، ثم تعود متكئة على عصاها ضاربة بعرض الحائط توصيات الطبيب، ونظرات الشفقة في عيون من حولها… وفى “حلم الصبا” ترفض البطلة التخلي عن ذكرياتها وحلمها القديم باقتناء سيارة (فولكس)، رغم اختلاف شكل الحياة التي أصبحت لا تناسبها الآن… وفى ” ثوب جديد” تصنع عالمها الذى تحبه لتخرج ذاتها من دائرة الحزن، فهى نفسها تنصح نفسها من خلال المرآة أن تشترى ثوبا جديدا، .. فهي تحمل داخلها قوة المقاتل الذي يرفض الاستسلام
ولكن على الجانب الآخر في حياة المحارب، نجد امرأة مرهفة الحس سريعة البكاء، فكما عرضت الكاتبة لحظات القوة في حياة الأبطال، عرضت أيضا لحظات الضعف والحزن والبكاء، وهنا تأتى فكرة الازدواج في بناء الشخصية فنحن في الأساس أمام شخصيات متأزمة نفسيا بعد أن تعرضت للعديد من الضغوط في الحياة وتعرضت لحرمان وصدمات فنجد تفريغ طاقة الحزن يأتي من خلال البكاء فظهرت الدموع في قرابة 80% من قصص المجموعة فتقول في “البوم صور” (سرحت واغرورقت عيناها فتذكرت أمها أول يوم بالمدرسة) وفى “ثمرة الطماطم” التي تحكى عن ازمة البطلة مع ابنها (غافلتها دموع رقيقة انسابت في هدوء) وفى قصة “هو” حين رأت زوجها السابق يحمل حفيدته (سحب الطفلة من يدها بقوة بينما هي نزلت دموعها فقد كان هو) وفى قصة “لا” التي تصف صراعا نفسيا داخل البطلة فهل تقبل الغائب؟ ام ترفضة؟ (فجأة شعرت برعدة في جسدها ورأت ملامح الإضطراب تعلو وجهها أعقبها دموع ساخنة انسابت هادئة على وجنتيها) ورغم انتهاء الصراع بالقبول، إلا انه لم يأت الغائب من الأساس . وفى “الزيارة انتهت” التي تحكى عن الحبيب المخادع (تدفقت دمعة ساخنة فوق خدها) وهى كأغلب القصص التي يلتقى فيها الضعف والقوة بانسجام عجيب، فقد انقلب عشق البطلة للبطل 180درجة، وبعد البكاء والحيرة الاستسلام، تقرر طرده من حياتها نهائيا، وفى قصة “المرآة” اجتمعت لحظة التأنق والإقبال على الحياة بلحظة بكاء (فجأة غافلتها دمعة مسحتها برفق) فالدموع لا تعنى في كتابات د.سميرة شرف توقف الحياة أو الاستسلام لكنها فقط لحظات استراحة محارب يلتقط فيها بعض الأنفاس لكن المعركة مع الحياة لا تتوقف
التعدد الدلالى للمفردة الواحدة:-
الكلمة الواحدة في عالم الكاتبة قد تأتى بدلالات متعددة، فقد تحدثت مع (المرآة) في قصة “ثوب جديد” (هل تعتقدين أنت أن أحدا مازال يذكرنا ) فقد رأت البطلة صورتها في المرآة دامعة وحزينة، فصنعت حوارا بينهما كصديقتين ونصحتها بشراء ثوب جديد وكعكة لتحتفل بعيد مولدها وهنا تأتى الدلالة كاشفة عن حالة من الوحدة، والانكفاء على الذات، وتكررت نفس الدلالة في قصة “هذا الوجه” فتقول البطلة (لا يا مرآتي لا تكذبيني لقد فر العمر منى ) هي تجادل المرآة، فلو كان هناك آخر يؤنسها ما حاورت ذاتها من الأصل، فالوحدة تصنع شعورا بالحيرة والخوف، ورغبة في طرح أسئلة ان لم تجد من يجيبها فذاتها هي التي تجيب، وتسترسل وتجادل، أنها الوحدة والانعزال عن الحياة، فالبطلة تصنع عالمها الخاص الذى تتمناه، وتتجاوز وحدتها بحوار داخلي داعما لها، يأخذها من حالة الانعزال الحياتي الى علاقات خيالية لا وجود لها في الواقع، فالانفصام واضطراب الهوية (الازدواج) هو ظاهرة منتشرة في قصص عديدة بالمجموعة.
وتأتى دلالة المرآة بصورة مختلفة تماما في قصص أخرى، منها قصة “المرآة”
فيقول الراوي فيها متحدثا عن البطلة (نظرت في المرأة لتتأكد ان كل شيء على ما يرام) هنا تأتى الدلالة في الرغبة في التأنق والتواصل بشكل جميل مع الحياة وذلك عكس الانعزال في المعنى السابق لنفس الكلمة
وفى قصة “العاصمة ” (راحت تتزين أمام المرآة وتدقق جيدا حتى في أبسط أمور أناقتها) وذلك حتى تبدو أمام جيرانها الجدد امرأة أنيقة رائعة المظهر، فالأناقة والمظهر الجيد من أهم أدوات التواصل مع الآخرين، وفى قصة “الزيارة انتهت” (وقفت أمام المرآة تتجمل مسرعة كعادتها.. تأنقت، اختارت رداءً أسوداً ليعطيها بهاءً خاصاً) ويتبين لنا الفرق جليا بين استخدام المرآة كدلالة عن الوحدة والعزلة، والإنفصال عن الحياة، وبين استخدامها فى كثير من الأحيان، كدلالة للبهجة والتأنق والرغبة في التواصل مع الحياة .
- الهاتف المحمول وتناقض الدلالة:-
على نفس المحور السابق نجد المحمول كمفردة ظهر بدلالات متعددة فجاء في قصة “الحكم ” هذا الرجل المسن محب الكرة الذى قال لصاحبه – رن لى خايف يكون الموبايل خرب، وعنما سمع الرنة قال في دهشة -إمال ابنى ليه مابيرنليش؟، وفى قصة “دمعتان” تحسست البطلة حقيبتها فأدركت نسيان هاتفها بالكافتيريا ثم تساءلت -هو لسه في حد يهمة الإتصال بك ؟ وفي قصة “هو” تأتى الدلالة وعكسها فتقول الكاتبة واصفة حياة البطلة. تدرجت في عملها في أعلى المناصب -الكل يتقرب اليها – محمولها لا يكف عن الرنين طوال اليوم – فجأة وصل قطار المعاش – لم يمض شهر حتى صمت محمولها وفى أحيان كثيرة كانت تطلب هي ولا أحد يرد ، كما كان التيار الشعورى متقارب في قصة “هدية” حين تحدثت البطلة عن صديقتها التي قلت مهاتفتها لها بعد التقاعد.. وهكذا قد يأتي المحمول بدلالة التفاعل مع الحياة او الإنعزال والوحدة
- والدلالة قد تكون رمزية:-
مثلما جاء في قصة “البئر” التي حيرت القارئ والقصة تدخل في تركيبتها الفنية في نطاق الأقصوصة، التي تحكى عن هذا الشخص، الذى تخلص من ديدان القز في البئر، ثم عاد يبحث عنها بعد ان رأى فراشة، فهل تقصد الكاتبة أن الماضى الذى عشقته بكل تفاصيلة لن يعود، لأنه طار مثل الفراش، أم أن رمى الديدان محاولة للتخلص من الذكريات لصالح الحاضر فتكتشف أن ذكرياتها أفضل ما في الحياة، هل هي حالة من الإحباط والتخلى، يتبعها محاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه، هل هي معرفة متأخرة لقيمة الأشياء، هل وهل وهل… كلها احتمالات دلالية قائمة ترفع من قيمة العمل الفنى فهى واحدة من أروع قصص المجموعة رغم الحيرة التي يجدها القارئ حين يقرأها.
- المكان والزمان وتفاصيل الروح:-
فالمكان لأ يأتي بمفردة، ولكن بالتذكارات والمتعلقات، والزمان مفعم بالشخوص وتفاصيل الذكريات بصحبتهم، فالزمان والمكان بكل محتوياتهما يكشفان تفاصيل الروح، وأدق اسرار الأبطال في الماضى والحاضر.
نجد في قصة “البوم صور” أن البطلة ترتب صور تضم كل فترات حياتها، بدءا بطفولتها بالمدرسة، وحتى حصولها على شهادة الدكتوراة، وتركت مكانا مفتوحا لصور جديدة، فالبوم الصور مكان لحياة موازية، تحمل جميع ذكرياتها عبر الزمان، وفى قصة “البيت الكبير” التي تمسكت البطلة بعدم بيعه، وحين أصر الأشقاء علي البيع قامت بشرائه، فتقول في قصتها (فتحت الباب فأصدر صريرا كالأنين.. أنرت البيت..اتجهت لصورة أبي وبجوارها صورة تجمعنا جميعا) فيشعر القارئ أن المكان حى تدب فيه روح الماضى ويتفاعل مع من يحبه وتضيف الكاتبة (دخلت حجرة المكتب الخاصة بأبى..نظارته وقلمه ومصحفه وبعض كتبه كما تركها يوم رحيله) فنجد التذكارات والمتعلقات الخاصة بالراحلين، مازالت تسكن المكان، تنتظر عودة صاحبها ليتفاعل معها، كأن هناك حياة موازية يمكنك ان تشعر بوجودها ولا تراها، وفى قصة “الحكم” الرجل الذى عشق الكرة في طفولته، يتحول إلي بائع بمحل، يتأمل الأطفال يلعبون الكرة أمامة، فيقرر مشاركتهم كحكم بالمبارة، فنجده يستحضر لحظات يحبها من الماضى، ليعيش جمالها في الحاضر، وكأن روح الزمن عادت ببهجتها، فأخذ يركض بينهم، رغم لياقته البدنية التى داستها السنوات الثقال بلا رحمة، وكانت الكره الشراب المرسومة بذاكرته، أحد أعز تذكارات الماضى.
وفى قصة “فواصل” حاولت البطلة بناء على تشجيع إبنها، أن تخرج من الماضى المسجونة داخله، وتعيش بالحاضر، حتى مسبحتها القديمة مازالت تحبها وتستخدمها (تذكرت المسبحة الأنيقة التي أهدتها لها صديقتها.. أحضرتها وراحت تسبح .. فجأة اكتشفتان المسبحة بدون فواصل) في مشهد خاطف تعيد الجديدة لمكانها، وتحضر المسبحة القديمة الخاصة بالزوج الراحل، والمعلقة صورته على الجدار بالأبيض والأسود، فهى في النهاية ليست مجرد مسبحة لها فواصل، وإنما تذكارمن الماضى، يحمل روح الشخص الراحل، وذكريات وجوده بالحياة معها.
وفى “صورة جدى” القصة الوحيدة بالمجموعة، التي كان السارد فيها حفيد، وكان يتأمل متعلقات وتذكارات الجد، بدءا من صورته المعلقة جوار منشته العاج، وآله العود، فهو حفيد لفنان راحل، وهو فخور بجده الذى كان يجلس تحت التوته ويعزف على العود، ويقرض الشعر، وحين تتمزق أوتار العود بعد أن حاول الحفيد العزف عليها، نظر الى صورة الجد، ليشعر فيها بنظرة الحزن، فهل من يرحلون تظل أرواحهم معلقة بالمكان تأتنس بالأبناء والأجيال المتعاقبة، تستخدم متعالقاتها القديمة، فتشعر بوجودهم دائما.
وفي قصة “حلم الصبا” تفشل البطلة في استحضار بهجة الماضى، لأنه حدث خلل في تركيبة المكان، افسد لحظة الحضور الروحى، عكس “البيت القديم” لذى ظلت جميع تذكاراته ومتعلقاته كما كانت، فسكنتها روح الماضى بكل اطمئنان.
- حين يكون الرجل صفقة خاسرة والمرأة صديقة لدودة :-
تكشف لنا الكاتبة عبر مجموعتها القصصية، مسار الطريق الذى سلكته البطلات، ليصلن في النهاية إلي الوحدة والإنعزال كقرار اختيارى، لم تفرضه الحياة عليهن، ولكن كان وليد معاناة مع الآخرين ونتاج تجارب مؤلمة ومقنعة، ليدركن البطلات في النهاية، أنه لا أمل فى تعديل العنصر البشرى الى نموذج أفضل.
وبدءا بفكرة الرجل باعتباره أزمة إنسانية، وصفقة خاسرة، تأتى قصة “ثمرة الطماطم”تتحدث فيها عن الإبن الذى لم يكن سندا لها في الحياة وخزلها وأتعبها وأتلف حصاد السنين، ورغم ذلك لم تتوقف عن (الدعاء له بالهداية) وفى قصة “ثوبٌ جديدٌ” طلقها زوجها وكتب لها قائلاً (سامحينى لا استطيع الجمع بين امرأتين هي في قلبى .. وانت أين تسكنين؟ ) وفى قصة “عواطف” الإبنة المجتهدة لموظف مرموق خرج على المعاش، وهو في الأصل مواطن محدود الدخل، وحين تخرّجت عوطف والتحقت بعمل طلبها زميلها للزواج، فكان ترحيب الأب مفاجئ لكون المعاش لا يستطيع دعمها ماديا، ولكنه الأب ياسادة يكسره كأى رجل العجز المادى في حق أهل بيته، فلجأ الى عمل غير متوقع وغير قانوني، يدر الدخل الوفيرعلى البيت، ويستطيع به تجهيز ابنته، وهو أن يتسول في احد المناطق الراقية، ليتحول هو أيضا الى صفقة خاسرة، وفضيحة مدوية تنهى حياة ابنتة الاجتماعية وتفسد زواجها.
وفى قصة “لا” هذا الغائب الذى تخلى عن زوجته، وحين يخبرها بوقت عودته تقبل برجوعه بكل بساطة، رغم كونها أعدت عُدّتها للرفض، وجاءت كلمة لا رافضة للرفض، ونفى النفى إثبات، وفى النهاية يخزلها مرة أخرى ولا يعود، لتدرك ان “لا” كان يجب ان تكون “لا” للرفض وليس للقبول.
وحين تتجسد الخيانة في ابشع صورها، فلا نجد سوى قصة “الزيارة انتهت” فكانت فيها الخيانة مزدوجة، فقد خان البطل زوجته وخان حبيبته، لكن القصة بتفاصيلها الصادمة أجابت عن سؤال مهم وسؤال أهم، فالأول هل للحب عمر؟ فنجيب من باب التفاؤل، انه لا يوجد للحب عمر، فالإنسان يحب مهما كان عمره، ولكن تأتى إجابة السؤال الثانى صادمة للقارئ، ..هل للخيانة عمر؟ فالرجل قد يتجاوز الستين ويخزل النساء بخيانات متعاقبة، إذن لا عمر للخيانة أيضا، ولا مكان في المجموعة القصصية لوفاء الرجل، أوثبات الحب في قلبه،
و”فى العاصمة “ظهر الرجل المخادع، الذى بدا بمظهر الثرى بالقرية، وتزوج الفتاة الجامعية، ثم عاد بها الى عمله بالعاصمة، لتدرك ان الرجل الذى تزوجته مجرد (بواب عمارة) والأزمة كما عرضتها الكاتبة، ليس من باب التنمر على طبيعة العمل، ولكن من مبدأ رفض الكذب والخداع، وماجرى يُعتبر أحد اشكال الخيانة، فهو خان ثقتها فيه ولم يصارحها بطبيعة عمله، فكان ضمن زُمرة الخائنين.
والحقيقة ان الرجل الوحيد الذى أنصفته الكاتبة، وأقرت له بالشكر والإمتنان، كان خارج المجموعة القصصية وقد ذكرته على العتبات، في إهداء له مفعم بالحب والتقدير والعرفان، ولكن موقعه خارج النطاق الفني للعمل، جعله لا يُحتسب ضمن المنطقة النفسية لأبطال المجموعة .
وحين ننتقل بالحديث إلي المرأة، بوصفها ساحة مختلفة للصراع بالمجموعة، ويمكن وصفها بالصديقة اللدودة، كما وصفت الكاتبة عصاها في أحدى القصص، فهناك فيض من التناقضات يتدفق عبر المجموعة القصصية، منها علاقة البطلة بالصديقة المقربة، ففي قصة “عواطف” تأخذها صديقتها المقربة مرفت، عامدة متعمدة لتشاهد أباها يتسول بأحد المناطق الراقية، لم تكشف الكاتبة صراحة عن سبب غيرة مرفت وحقدها على عواطف، وسرّ رغبتها في تدميرها، ولكن لعلها أرادت من القارئ أن يتفاعل بالاحتمالات، فلعلها مثلا أحبت مؤمن حبيب عواطف وزميلهم المشترك، أو لعلها غيرة الأدنى من الأفضل، وعواطف كانت مجتهدة ومتميزة، وفى الومضة القصصية
“شيء ما”عن الصديقة الحميمة التى جمعهما عمر بأكمله وحين ترملت البطلة تخلت عنها صديقتها بسبب الواشيات، وحين ترملت الصديقة، وذهب سبب خوفها من البطلة، ادركت البطلة ان شيئا ما قد ذهب وهو بكل تأكيد الشعور بالثقة والأمان الذى ذهب بلا عودة، فالصداقة اختبار صعب، قد تنجح فيه أو ترسب، وهنا يدفع الصديقتان الثمن بكل قناعة، وفى قصة “هدية” التي تدرك البطلة فيها، ان هذه الصديقة والإبنة التي جاءت من الجنوب للعمل بالشركة، مزيفة المشاعرمثل الجميع الذى تخلى عنها بعد بلوغ البطلة سن المعاش، فلم تكن تلك الصديقة تستحق العطاء أو الحنان أو الحب الذى أغدقته عليها البطلة، وفى قصة “منال” تحكى الكاتبة عن صديقتين منذ الطفولة كبرتا وصارتا طبيبتين ناجحتين “منى” البطلة و”منال” الصديقة التي تتزوج وتسافر، فتنقطع أخبارها، وتدرك البطلة في مشهد أخير، أن الصديقة لا تتواصل حتى مع أبيها أيضا، فقد أنساها السفر أصدقاءها وأسرتها
والحقيقة ان النسيان الغير مبرر موجع، حين يأتي ممن تحب، في قصة “لا” تألمت البطلة لنسيان زوجها لها، فهو نوع من التخلي، مثلما تخلى عنها زوجها بالطلاق في قصة “ثوب جديد” وتشابهت الأمور في “شيء ما”و “منال” وهو نفسه ما جرى في قصة “الحكم” الذى نسيه ابنه ولم يعد يرن عليه الهاتف. وكلها مشاهد من معارك دموية في الحياة، لتصل الكاتبة في النهاية إلي أنه لا أمان مع رجل او أمرأة أو حبيب أو زوج أو صديقة او ابن … فالحياة بالمجمل لا مناطق آمنة فيها، فأنت كإنسان تتحرك بدرعك وسيفك في قتال مستمر، ثم تتوقف قليلا لتكتب تفاصيل الخسائر، لعل قارئ ما يدرك قيمة الكلمات، وخلاصة التجارب التي مرت بها الكاتبة، فيستفيد بها ويعيد حساباته، ويحدد مساراته بكل حرص، حتى لا يكون طرفا في معركة خاسرة.
والحقيقة ان د.سميرة شرف تطرح التجارب الإنسانية بعمق، تجعل القارئ يقف مندهشا أمام التفاصيل البسيطة بليغة الأثر، ليجد نفسه يتماس مع أبطال وبطلات القصص، ويشعر ان بعض احداث المجموعة عاشها او استفاد منها، فهو تعاطف مع هذه البطلة، وكره هذا البطل الذى جرحها، فتحول القارئ إلي شاهد عيان، علي معركة حامية الوطيس، يرفض أبطالها الاستسلام، رغم جراحهم المثخنة بالطعنات .
تحليل / ياسر عبد الرحمن