في مختاراته، كتب سلامة موسى مبحثاً عن فلسفة الألفاظ العربية، وجد في بعضها أن للألفاظ أساساً واحداً، في المعنى خاصة، عند جميع الأمم. ومن ذلك مثلاً كلمة نَفس. وأصل هذه اللفظة هو أن الإنسان أول ما أخذ يميز بين الحياة والموت، كان يرى أن النفس الذي يتنفسه وهو حي ينقطع عند الوفاة، فصار التنفس «بتحريك الفاء» نفساً أي روحاً. وكلمة روح برأيه مشتقة من كلمة ريح، وهذا ناجم عن الاعتقاد بأن نفس الإنسان، أي الريح الخارجة من فمه، تنقطع عند الوفاة.
ومن لفظة الغد واشتقاقها نلحظ كيف اخترع الإنسان الألفاظ، فالغد مشتق من الغداة، أي الصباح، فأول ما يجعلنا نفكر بالغد هو الصباح، ولأن أول ما نذكره من الأمس هو آخر شيء منه، أي المساء، فمنه اشتقت كلمة الأمس.
برأي سلامة موسى، فإن من الألفاظ ما يدل على البيئة التي نشأت فيها، ولأن العرب كانوا يسكنون بلاداً حارة، صارت الراحة عندهم مشتقة من الريح، أي النسيم، إذ هو يخفف عنهم ضائقة الحر، وصاروا يعدون البرد وجميع ما في معناه دليل الهناء، فهم يقولون: «برد اليقين» و«أثلج الله صدرك».
ومرة كتب الروائي العراقي الراحل غائب طعم فرمان الذي أقام عقوداً في صقيع موسكو ومات ودفن هناك، جواباً إلى صديق رداً على رسالة بعثها له فقال: «رسالتك أثلجت صدري»، قبل أن ينتبه فيسخر من أمر هذه العبارة وهي تصدر عنه، وهو المقيم وسط الصقيع أغلبية شهور السنة؛ حيث فطن إلى أنه كان يتعين عليه القول لصديقه: رسالتك بعثت الدفء في نفسي.
يستخدم الأوروبيون لفظة دافئ بمعنى هنيء أو حميم، ويتحدثون عن القبلات الحارة، وربما كان حريّاً بسكّان المناطق الحارة أن يتحدثوا عن قبلات باردة. ويقال إن سكّان الإسكيمو الذين يعيشون حول القطب الشمالي حيث البرد الدائم والثلج الذي لا يذوب نحو تسعة شهور، يحسبون أن نعيم الآخرة دافئ، أما الجحيم فبارد مظلم، على النقيض مما تعتقده شعوب بلدان الشرق الدافئة أو الحارة.
يرى سلامة موسى أيضاً أن من الاعتقادات الخاطئة الشائعة القول إن كلمة النحو مشتقة من الفعل نحا، بينما هي مشتقة من اسم يوحنا النحوي، الذي عاش في بلدة نحو، الواقعة في مديرية المنوفية بمصر اليوم، ولم تكن الحروف العربية تعجم في العصور الأولى، فصار الرجل يسمى يوحنا النحوي، ومن صفته هذه نشأت لفظة النحو.
لفظة الكهنة، ومفردها كاهن، مشتقة من الفعل: «تكهن»، أي خمّن أو تنبأ أو توقّع، ذلك أن الكهنة المصريين القدماء والإغريق عرّافون يمزجون السحر بالقسوسية.