د. ريم شطيح
عدم تقييم النوعية والتعمُّق بها ما زال يُشكِّل عائقاً أولاً في وجه التطور وتَثمين مادة النّقد وهي مادة أساسية للإنتاج الفِكري الذي يُساهِم في بِناء الإنسان وتطوّره على الأرض، إذْ يلتحق البعض بما هو شائع ومُتداوَل بين العامة ولا يُفكّرون بالمضمون والنوعية
الذين غيّروا التاريخ أو أضافوا له هم الذين تعمّقوا بالنوعية وبحثوا عن “المادة” في أيّ خطاب أو نَص أو عمَل ولم يبنوا آراءهم تِباعاً لما يُرضي المجتمع أو الجمهور
الإنسان الذي يبحث دائماً عن النوعية والقيمة لأيّ عمل يَخدم المجتمع وقد يُساهِم بتغيير عقلية جيل نشأ على هزّ الرؤوس وتلقّي الأفكار من دون التعمُّق بها ومحاولة نقدها
وحيث كثيراً ما يقع البعض في هذا المطَب ويُهلِّل لفكرة ما أو لعمل أو حتى لشخص في وقتٍ ما فقط لأنّ الأغلبية تفعل هذا، وقد يكون مِمّن لا يريد السير وحده ويهوى استرضاء الرأي العام ليَحظى بشأنٍ اجتماعي بينهم فيسقط سريعاً.
من هنا، فبناء الإنسان بشكل سليم ومُحصَّن كان ومازال طريق أي نهضة فِكرية كانت أو أخلاقية أو عِلمية. بناء الإنسان يعني تهيئة جيل يقود المجتمع والبلاد ويبحث عن النوعية والحقيقة، حيث نعاني في مجتمعاتنا من سياسة القطيع في كل شيء بدءاً من الدين للسياسة للفن على أنواعه، وهذا القطيع غالباً يُصفِّق التحاقاً بالبقية ويُهلِّل لغير المُستَحِقّين
إنّ القيمة الاجتماعية يجب أن تُقارَب بالقيمة الفِكرية للإنسان وبالمستوى الأخلاقي وإلاّ فننتهي بمجتمع يُعوّم المُتسلِّقين والفاسدين والمُتملِّقين ويهمّش النُّخبة والمُبدِعين الحقيقيين، وهو ما قصدتُّه بالقيمة الاجتماعية أي الشأن الذي يُعطيه العامة لشخص ما بغير استحقاق، فيُصبح المجتمع – بعد فترة – مُغَيَّباً ويزداد انحداره طرداً مع تزعُّم الفاسدين والحثالة مناصب وألقاب؛ بينما يبتعد عن الحقيقة وعن تقييم المُعطَيات بشكل عميق وسليم بل وينغلق على نفسه لتبقى الرؤية كما هي ويرفض أي فِكر جديد مختلف لا يشبهه
وتِباعاً، كان من السهل على المُدَّعي أن يَكسَبَ جمهوراً من المُصَفِّقين طالما هذا الجمهور لا يعرف الفرق بين الادّعائية والحقيقة، ولا يبحث في النوعية ولا المادة في أيّ عمل أو خطاب.
من السهل أيضاً أن يُصبحَ أحدٌ بطلاً على جمهور لا يستطيع أن يُعرِّف معنى البطولة في قاموسه؛ يتخبّطُ تارةً بين الفاتِح وتارةً بين الغازي وقد يصبح الاثنان بنفس قيمة المُنقِذ!
شعوبنا ساهمت بشكل مباشر مع الحُكّام بقتل مُفكِّريها ورفضت أي فِكر جديد لا يتكلّم مثلها لأنها شعوب لم تملك أرضية ومرجعية ثقافية وفِكرية حُرّة في غياب الحريات وتسلُّط الديكتاتورية الفِكرية السياسية منها والاجتماعية والدينية. بهذا، كم طُمِثَت عقول حُرّة وظهرَ أبطال ومُدَّعون الثقافة والأخلاق في هذه الأزمة، الطامة الكبرى هي أرضية الجمهور وعدم البحث عن القيمة والنوعية!ا
الكاتبة ريم شطيح