الحلقة الثالثة: شواهد بيروتية (الجزء الثاني).
ومن الأمثلة أيضاً الحنين في تسمية مناطق بيروتية، منها مناطق تنسب إلى أشجار على سبيل المثال، بحيث تصبح الشجرة مع الزمن من معالم منطقة معينة، وأحد رموزها، أو أن ترتبط شجرة بواقعة محددة تحفظها الذاكرة الشعبية، أو ترتبط بشخصية تتسمى بها. فقديماً سميت عدة مناطق نسبة لشجرة الخروب منها ما كان في منطقة المصيطبة وعين المريسة وميناء الحصن وخروبة المعقصة في رأس بيروت وخروبة التنير في محلة شوران. ومنها محلة الدراقن التي كانت تقع أمام باب كنيسة الروم في باطن بيروت (ساحة النجمة اليوم)، ومحلة السنطية (نسبة لشجرة السنط) في ميناء الحصن ومحلة الزيتونة المعروفة فيها أيضاً، وكرم الزيتون في منطقتين هما النويري والأشرفية، ومحلة الصنوبرة في رأس بيروت، وعدة مناطق منسوبة لأشجار النخل والتين.
أما المناطق المنسوبة إلى شجرة الجميز فحدّث ولا حرج، فقد كان في بيروت ما يقارب اثنتا عشرة محلة منسوبة لهذه الشجرة لم يبق منها اليوم سوى محلة الجميزة المعروفة. أذكر منها على سبيل المثال، جميزة المصلّى شمالي ساحة البرج وجميزة يمّين في القنطاري وجميزة فضول ربيز في رأس بيروت (كانت تسمى جميزة عزرائيل). وقد تكلمت عن ذلك مطولاَ في مقالة سابقة بعنوان “جميزات بيروت: رحلة في الذاكرة المكانية”؛ جريدة اللواء 20 آذار/ مارس 2020.
وهناك شواهد أخرى كثيرة مماثلة لقصة هذا الحيّ والمناطق البيروتية تعكس “حنين” المواطن لموروثه المكاني الأصيل من خلال إصراره على الاحتفاظ بإسم الموقع الذي حفظ في ذاكرته.
وإلى اللقاء مع الحلقة الرابعة بعنوان: العلاقة الفردية والجماعية في الموروث المكاني.
________
الصورة: باب السرايا على سور بيروت الشهير أواخر القرن التاسع عشر، قبل هدمه سنة 1927، ولم يكن بعيداً عن منطقة جميزة المصلّى.