
عين الحسناء، رواية الكاتب الإماراتي حارب الظاهري ، يغلب عليها الوصف الشاعري لتغيرات المجتمعات الخليجية في مرحلة سبعينيات القرن الماضي ، وما تلاه من تحولات تظهر للعيان في شكل البيوت القديمة التي هُجرت ، و في وصول الكهرباء و الماء الى كل بيت ، وفي شكل المدرسة النظامية التي حلت محل المطوع ، وهو مقرئ القرآن ، الذي يعمل على تحفيظ الأطفال الآيات القرآنية ، إضافة الى القراءة و الكتابة ، لكن هذه التحولات الكبيرة التي جعلت أهالي حي الحميراء – التي اختارها الكاتب نموذجا للتحول – أهالي الحميراء يهجرون بئر الماء التي تم الاعتماد عليها للشرب ، و السقاية لسنوات ، تُهجر بوضع ألواح من الخشب تسد فوهتها و حجر كبير بالقرب منها يدل على مكانها ، فلا يسقط فيها من لا ينتبه ، يأتي الكاتب بالتحولات من خلال شخصيات لا نعرف لها اسماء ، فليس للأسماء هنا اهميه ، فهذا (هو ) و تلك (هي ) و هو .. قد يكون موظفا ، او عسكريا ، أو ابا او ابنا ، و هي قد تكون اما او اختا ، او طالبة في المدرسة او حبيبة ، و الحبيبة هي من استقت منها الرواية عنوانها ( عين الحسناء ) هي الحسناء التي جاء اسمها هنا صراحة ، على عكس باقي شخصيات الرواية ، و على عكس المتعارف عليه في المنطقة من عدم النطق او اعلان اسماء النساء في تلك الحقبة ، و ربما اراد الكاتب / الراوي العودة اليها كمصدر إلهام له لتحسين وضعه المالي و الاجتماعي ، فيأخذه لها الخيال مرات ، و مرات اخرى تلتقي هي به في الحديقة – و هذا مستغرب في المجتمع الخليجي ككل – و مرة تأتي الى بيته لزيارة اخته – و هذا وارد ، و مرة ترسل له برساله مع صديقة ، من غير المعلوم من هي الصديقة و كيف اوصلت الرسالة ، في مجتمع و زمن يوصف بالمحافظة و عزل النساء عن الرجال بكل الوسائل ، لكنه لا يستطيع ان يبعد الحسناء عن خيال الكاتب ( هو ) حتى تحدثه و يحدثها ، حديث الشعر من الطرفين ، يرتفع فيه مستوى اللغة على حد بعيد ، و لأننا لا نعرف الكثير عن ( هي ) نترك خيال الكاتب يسطر على لسانها ما يريد ، و ما يحب ان يسمعه منها .
يأتي الكاتب ايضا بشخصية البائعة المتجولة ، التي تطوف من بيت الى بيت ، تبيع بضائع و تنقل الاخبار و الحكايات ، و تلقى قبولا واسعا من كل بيت تدخله ، هذه الشخصية ، شخصية روائية غنية ، مليئة بالنشاط و الحيوية و تعد بالكثير من الاحداث المجتمعية التي تصنعها ، لكن الكاتب فضل ان تكون شخصية هامشية في الرواية ، تتمثل اهميتها في مرضها و زواج زوجها الثاني بسبب عدم الانجاب ، لكن الكاتب وضع يده على غنى الشخصية النسائية تلك ، و قد يستثمرها في ما يكتب مستقبلا ، و كما نحج الكاتب في التسليط على نقاط التحول ، اورد حكاية قد عايشها بالفعل من عاش تلك الحقبة ، و هي قتل الشرطة للكلاب الضالة بالرصاص الحي ، حتى لا تتكاثر بين الأحياء و تهاجم الاهالي، تغير المشهد اليوم ، و اذا كان التخلص من الكلاب صار بالموت الرحيم بدلا من الرصاص الذي يسمعه كل ابناء الحي ، قتل الكلب الصديق ، مشهد مؤثر جاء به الكاتب مدللا على حياة المجتمع في ذاك الزمن ، ما بين مدينه العين و مدينه ابوظبي ، زمن تبدل فيه سكان القرى حتى صاروا سكان مدن ، و خرج الكثير من البداوة التي ساقها الكاتب في بداية الرواية ، الى حياة المدينة ، مدينه سوف يلتقي بها مع حبيبته الحسناء في منزل الزوجية التي حلما بها ، و كأن أحلام سبعينيات القرن العشرين قد تحققت في لقاء المحبين .