بيّة الانڨليز
بعد أن تصفحت أوراقي مع”دفاتر الوراق”، وقرأت صفحات من تاريخ الذات،،، انسقت وراء حكي العاشق علي بن محمود القصاد مع”افاعي النار” والتبست عليّ الأشياء و اختلطت الأذواق فحلقت بعيدا واصطدمت بواقع مرعب ومخيف مع “سيدات الحواس الخمس”
ها انا احلق اليوم مع “نشيج الدودوك”، مع سردية خاصة، يمكن أن تكون يوميات أو مجموع مذكرات أو هي سيرة ذاتية – سيرة روائية-
تاخذ بيديك تدرجا رسمت معالمها ثلاث محطات، ثلاث لحظات متداخلة احيانا. فاللحظة الأولى وهي لحظة ولادة الإنسان الحقيقية التي نبقى تتذكرها بعد أن نسينا لحظة ولادتنا البيولوجية، ألا وهي لحظة تعلم الحرف والكلمة والنص وقد أشار إليها الروائي في الصفحة7:”حين قرأت أول كلمة في حياتي سمعت صرير باب يُفتح،ورأيت شيئا من النور يتجرأ على العتمة”. فنحن لم نتحرر من عتمة الجهل إلا بالتعلم والمعرفة… نحن نكتسب نورا جديدا ونحن ننفتح على العالم، نفتح أبوابا لنوصد أخرى وأنها لمتعة، متعة تأمل ذواتنا، ومعرفة عالمنا
أما اللحظة الثانية فهي لحظة الكتابة…. الكتابة فرار من وحش لا تتعب قدماه. صفحة 47. الكتابة هي تلك الجرأة التي”يزيل بها رصاصة من جسده في عراء جهاتُه غامضة” ،الكتابة هي التي تزيل “الحجر عن صدري وصار نومي مرهونا بذلك الطقس الاعترافي لدفتري” ص49 اما في صفحة 95 الروائي يصرح بقوله:”حين كتبت أول كلمة، شعرت بأول خطوة غير مترنحة على طريق لم أقل لأحد عنها”. فهل تعد الكتابة هروب ومغادرة للواقع أم رغبة في تغييره؟ هل تكون الكتابة إعلاء وتصعيد واشباع الرغبات المكبوتة في اللاشعور على حد عبارة المحلل النفسي فر ويد؟ هل الكتابة التزام بقضايا الإنسان؟ الكتابة لذة ومتعة مزدوجة،،، لمن كتب ولمن قرأ
الكتابة ملاذ ومفر وتحقيق للكيان. هي جواز سفر، تأشيرة، طائرة، سفينة، تسافر بك تحملك بعيدا،،، هي انفتاح على الآخرين وعلى ذلك فهي نظام تواصلي من بين أنظمة أخرى نحقق بمفتضاه متعة من متع الحياة فكل كلمة”:اكتبها هي شوكة انتزعها من د واخلي لتصير وردة في حقول الآخرين”. أليس هذا اعتراف بأهمية الكتابة فهي ورودا تزرع لتقتلع الغاما من الحقد والشر والألم… أما اللحظة الثالثة التي تؤثث السيرة الروائية الاوهي لحظة السفر وفي كل سفرة كتاب وكاتب وكتابة فنكتشف الروائي والمدينة التي يزورها والكتاب المرافق له وتتداخل العوالم وتتكثر السرديات ونبحر مع الكاتب وفي كل سفرة نكتشف وجها من وجوه الذات التي تجمع بين الكثرة والوحدة، بين الأنا والآخر حتى وان اعتبره جان بول سارتر بقوله:”ان الاخر جحيم.”
في أول مرة حلقت الطائرة بي مسافرا، شعرت بغصن ينمو بكتفي، وسمعت الماء يخبرني أسراره الدفينة”. صفحة165. عندها تكتشف ان السفر يحررك من عقال المكان والزمان…. تتحرر من الحدود التي يرسمها لك الواقع اليومي وتحلق مع الشعر،، مع الجمالية المتعالية،، مع الفلسفة والميتافيزقا،،، كامو،،، ڨاستون باشلار، الطيب صالح،أفلاطون
وبين الكتابة والسفر التحرر من الظلمة… ترافقنا الموسيقى بنشيجها وشدوها ولئن تعددت الآلات فهي تبقى باعثة الامل،،، مريحة للنفس،،، مزيلة للوجه.. ألم يؤكد نيتشه ذلك بقوله”لنا الفن حتى لا تميتنا الحقيقة”
فهل يعيدنا نشيج الدودوك،،،الى ذواتنا حتى نكتشف حقيقتها…؟ونزيل عنها ما تحجب وما تستر منها؟ حتى وان اعتبر سيرة روائية فهي سيرة تحملنا على انفتاح الذات على ذاتها وعلى الآخرين وعلى العالم
الكتابة وجع… ينتقل من كاتب،، يبث الى قارئ، متقبل يعيش وجعه،، يدرك المه فتأويلية القارئ كتابة ثانية لكتابة أولى أو إن شئنا قلنا تسمية لمولود جديد
فشكرا الروائي جلال برجس لما منحه لنا من متعة وسفر وتحليق في جمالية الحرف،، وتصفح عمل إبداعي جديد
ننتظر منه مزيدا من الإبداع و التألق
20-ماي-2023