بقلم: ريما آل كلزلي
تبدو للوهلة الأولى وكأنها مجرد قصة معاناة لامرأة عظيمة يرويها أحد ابنيها ، حيث بدا في العتبة الاولى للرواية ملامسة لمشاعر المتلقي ، لكنها في حقيقة الأمر كجبلٍ في بحر، نرى من الجبل قمته تظهر فقط فوق سطح البحر ، أو بعبارة أخرى القارئ يمسك قطرة البحر دون أن تذوب في يده لكننا يمكن أن نشبه هذه الرواية بقطرة ندى صافية نقية سقطت من ورقتها في صباح جديد لتروي الأرض، وما ذوبانها إلا ليسقي الأرض خاصة
رواية “أضحك وأبكى” هي العمل الروائي الثالث للمبدعة منى نور الدين، لكن أود أن أقول ؛ عندما تكتب امرأة بكلّ هذا الصدق ، و هذا الكمّ من الأسى بماذا سنعتذر للربيع عن صِباها ..؟
حروف لامست المشاعر الانسانية بلغة شعريّة طاغية، وصفت الأحداث بأناقة باذخة ، هذه الكاتبة المبدعة مطلوبة للشّعر حالًا!
إن حبنا لفن الرواية إذا اعتبرناه ظاهرة سيسولوجية يأتي لاعتقادنا أنها تتسم بكل ما تحمله الظاهرة الاجتماعية من صفة العمومية، الجاذبية، التلقائية، التاريخية والموضوعية ولكن نحن نشترك مع أبطالها ونحب صبرهم وصمتهم وتحديهم للمفروض والحتمي، كما نكره القسوة والحرمان والنفاق والظلم الاجتماعي حيث تعلمنا من الرواية أن هذا العالم هو عالم اللّاعدالة الاجتماعية، وهو عالم الصراعات وتكتلات أصحاب المصالح ، ومع ذلك هناك من يسعى الى بث الأمل، من خلال معاناة أمّ تنتظر بلهفة أن تعتني بابنها الذي فقدته بسبب ظرفها الاجتماعي ” الطلاق” وكان عليها أن تحتضنه رغم البعد وتعيد صياغة أفكاره، والعناية بصحته، دراسته، زرع الثقة في نفسه، بث الفرح في كآبة أيامه بدونها، هي أم عظيمة عملت على بث قيمة عُليا من خلال كلمة ( التربية) التي لا يكفيها موسوعة لحصر معانيها.
هي مونولوج روحي بين الأم والمرأة العاشقة لتحسم صراعًا بين الحب الذي تريد والواجب الذي ينبغي، كانت بيسان هي سيدة الطبيعة الجميلة فيه.
في الرواية بث حيّ للمشاعر بينما كانت المواقف تساير الظروف والأحداث، بحوارات رشيقة متوازنة، في إطار لغة حيّة عصريّة ، وبخاصة في حبكة الرواية عن بنيتها الظاهرة والعميقة و انسياب الأحداث بلغة رصينة -من الصفحة ١٢٠ – كان لافتًا كينبوع صافي يترقرق وإن كان يتحدث عن مظاهر الصراع العربي الإسرائيلي ومظاهر العدوان في لبنان كدولة حضارية عانت الأمرّين بسبب توالي الحروب التي شرّدت وفرّقت و زرعت الكثير من الألم والجراح في جسد الأرز الصّامد، وليس آخرها الذي تم في المناطق الجنوبية والشرقية وبيروت، فالوطنية أرّخت صمود شعب وبسالة أبطاله ضد عدو محتل غاشم ، لتؤكد للقارئ أن تجارب الموت نخوضها كل يوم، في جملة حتى نستقر على الميتة الأخيرة. وأبدعت في عبارة ص 166( في زمن الحرب كل لقاء قد يكون آخر لقاء، وكل كلمة قد تكون وصيّة)
في ذكرى صغيرة تمثلت بسباق الفتية إلى ( الرز بحليب ) إلماحة لواقع الحياة البسيطة التي خلفتها الظروف ، فكان لكل حوار هدف، ولكل هدف رسالة. لنرى قصص عالقة بسبب الحب، هذا الحب الذي يحتاج ذراعين من الانسانية تحتضنه، ويظل السؤال قائمًا هل كانت المشاعر من مهام القلب أم العقل؟
في النهاية ثمة سؤال جوهري يوجه للقارئ بعد الانتهاء من قراءة الرواية، ما الذي أراد الكاتب قوله في روايته؟
-لم تشاركنا بيسان قصة انتصار الحب الحقيقي والفوز على الألم لنبكي فقط، إنما لتفتح لنا آفاق النفس تجاه الآخر، والانسانية وتبث الكثير من الأمل.
إن أنجح الروايات هي التي تنساب أحداثها بشكل مريح وتنقل قصد الكاتب، وما يريد قوله فيها ، مما يمنحها بُعدًا جماليّا، وفهمًا لمجرياتها على مستوى القراءة والنقد .