صدرت عن دار رسم للنشر والتوزيع – تونس طبعة رقم ٢/ عام ٢٠٢٢
تقع الرواية في ٢٣١ صفحة و أحد عشر فصلاً وخاتمة.
—
يفاجِئنا العنوان “تغريبة” من غرابة الموضوع وهو الماء، الشخصيّة الرئيسية في الرواية بالإضافة الى ٣٩ شخصية أخرى، أغلبها فرعية.
يأخذنا الراوي منذ البداية إلى عالم “مريم بنت حمد ودّ غانم” الغريقة، التي كانت تعاني من ألم الشقيقة، تترنّح تحت وطأة الوجع الذي يُلازم جسدها المتعب، وهي حامل بعد فترة طويلة من الزواج. لا يهدأ الألم الذي غيّبها عن الدنيا وهي فيها ص. ٢٥ إلا عندما تُغطّس رأسها في البئر، حيث تسمع صوتًا يُناديها : “تعالي”.
تغرقُ مريم، وبعد غسلها لدفنها، “تُخبّىء في صدرها جوهرة” ص. ٢٩. يتبيّن لخالتها عائشة أنّ “في بطنها حياة” ويُشرّع الشيخ الدفن، لكنّ كاذية عمّتها تشقُّ بطنها ويخرج سالم إلى الحياة.
حدثُ موت مريم كان مدوّياً خلال الرواية تردّدت أصداؤه خلال فصولها من البداية آل خواتيمها، خاصة عند دفنها، أمطرت السماء كما لم تُمطِر من قبل.
يعيشُ سالم مع عمتّها كاذية بنت غانم التي تجد الجارة “آسيا بنت محمد” لترضعه وتهتمّ بالمولود اليتيم الأمّ حتى سن التاسعة، فيعيش ويكبر مع والده عبدالله بن جميل.
تكتشف كاذية موهبة سالم في قفر الماء في باطن الأرض. يتعرّض ابن الغريقة للشتم والنقد والابتعاد عنه، من قبل الناس بسبب ذلك، “وكأنه المسؤول عن مصائبهم وأحزانهم وجراحهم وخيباتهم” و “عاملوه بكراهية واجحاف بالرغم من تميّزه بمعرفة الأصوات”. ص.٨٠. ظلوا كذلك حتى يتغيّر الوضع ويجد الفلج ويصبح معروفاً، يقصده الناس.
لكن ما لبث أن توقّف عن التفتيش عن الماء بعد موت والده ووصيته له عن الوطن الذي يجد فيه كرامته. وعاد الناس ليبتعدوا عنه ولينبذوه وهو الذي “يتبع نداء الماء المجوز في الأرض وكلّما اقترب منه ازداد عطشاً إليه.” ص. ١١٧
لم يلبث أن عاد للعمل لحاجته للمال، وقلة موارد العيش في القرية، بسبب شحّ المياه وندرتها، بالرغم من تحذير زوجته له والتي كانت تحبّه “وأمواج الحب لا تقذفه على الضفاف ولا هي تُسلّمه للغرق. ص. ١٤٠.
وكان كلّ شيء معلّقاً في ابتسامتها ص. ١٤٠.”
ذهب في الرحلة الأخيرة، ولم يعد، انتظرته وقامت بحياكة الصوف ولم تقبل بالزواج بل بقيت وفيّة بالحب لمن غاب: ” طال النسيان كل شيء الا وجهه” ص.٢١٥
الرواية غريبة خاصة من خلال دور الشخصية الرئسية الا وهي الماء وكل أحداثها تدور حوله من حياة الأبطال الى الشخصيات الفرعية.
الماء هو الحياة، بهِ تحيا الطبيعة ومنه يشرب البشر والحيوانات وتنحوّل القرى الى واحات غنّاء. والماء ذاته هو الموت والدمار والطوفانات. وندرته تؤدي الى الجفاف والقحط والعطش والجوع واليباس وموت الأطفال . ٩٩.
تعرّفنا على طبيعةِ عُمان وأنواع الأشجار (سوقم- الأمبا – الزام – السردار – الغاف- النخيل – الحبن – الحلف- السمر الأثل…) والطيور ( الرقراق- ام البوبوة- الثعالب- الوعول – الظباء – الأرانب ) ومعتقدات أهلها والأساطير ودور الجنّ ووثّقت عادات وتقاليد المجتمع العُماني ( خرز- بخور- نذور- عين الحسد- الثرثرة- الزواج – الموت- النزوح- الهجرة ..)
تعرّفنا على طرق القفر وأنواع الأفلاج والينابيع والسواقي والسيول وطرق التفتيش عن مصادر المياه في تلك البلاد، والتي تعود إلى عهد النبي سليمان الذي عطش وحفر الجنّ له الأفلاج الألف بليلةٍ واحدة.
لا تخلو الرواية في كل مفاصلها من تطعيم بنكهة اللهجة العُمانية التي كُتبت بقلم سردي شاعريّ ولغة عربية صحيحة.
أبدعَ الكاتب في اختيار موضوع الرواية ” الماء” وما يدور حوله في حياة أهل القرى. لكنّني كنت أتمنى وجود هامش لتفسير الكلمات العُمانية البحتة التي لم أفهمها، خصوصًا أنّها نالت جائزة البوكر.
غرقتُ في تفاصيل الرواية لأجد فيها متعة القراءة السهلة والسريعة.
مآخذ على الرواية :
كنت أتمنى نهاية أخرى للرواية التي تركها الكاتب مفتوحة على احتمالات عديدة :
-عودة سالم لمنزله
-موت سالم
-عدم معرفة مصيره
وكنت أتمنى أن أعرف مصير المُرضعة التي اختفت وزوجها في بداية الرواية كما الكثير من الشخصيات.
-كنت أتمنى وجود بعض العبارات باللغة العربية الفصحى
-بالنسبة لي لم يكن هنآك داعٍ لطرح الكثير من أسماء الشخصيات الفرعية التي ظهرت فجأة واختفت في السطر الذي يليه. ولكنني تعرّفت من خلالها على الأسماء في عُمان وعلى كثرة استخدام الألقاب التي تطغى على الأسماء.
دور المرأة كان مهماً وجدًا في تربية الأولاد، في الزراعة وتربية الماشية والحرف اليدوية..
لذلك كنت أتمنى خاتمة سعيدة لابن الغريقة مع زوجته “نصرا ” التي وفت بحبها له.
كبرَتْ أساطير عُمان الصغيرة، عبر قلم زهران القاسمي،الراوي الذي أحياها كي تبقى في قلوب القرّاء …
نجحَ الأدب حيث لم تنجح الطبقة السياسية في عالمنا العربي في وضع خطط للمحافظة على المياه ووضع الإصبع على ندرتها وأهميتها في حياة البشر والتحضير للمستقبل الذي بدأ بعد نقطة النهاية، على أمل أن نعمل جميعًا على المحافظة عليها، لأنها حياة للبشرية جمعاء، برغم وجود البترول، والا سوف تجرفنا السيول والطوفان يُغرقنا لأنّ الطبيعة تأخذ وتُعطي متى أرادت.
أليس الأدب مرآة الشعوب ؟
٢٤/٠/١/٢٠٢٤