رواية رجل المرايا المهشّمة
٣٥٦ صفحة
صورة الغلاف سوزان ياسين
الأمُّ تصنعُ الإنسان :
جسدٌ قبيح يواجهُ المجتمع وحيداً. هذه هي حالُ ” صطوف ” أحد أبطال الرواية، والذي يعيشُ في مجتمعٍ ، تسودُ فيه كل التابوهات من ممنوعاتٍ ومحظوراتٍ والتي يجبُ السكوتُ عنها وحفظها كأسرارٍ، في قلوبٍ مغلقة على الحب والحياة، ومنازل محمكة الإغلاق على أرواحٍ تفقدُ الأملَ وعلى أجسادٍ شوّهها الظلمُ.
قصةُ” دلال ” الفتاة الفائقة الجمال التي تزوّجتْ طفلةً بعمر المراهقة (١٦ عاماً ) بعد وفاةِ والدها، خافتْ عليها والدتها، فكان لها المنزل الزوجيّ ليحميها من عيون الرجال.
وعندما انتقلتْ إليهِ، عاشتْ حياةَ الروتين مع زوجٍ كانت تفرحُ لغيابه، ولم ترَ معه السعادة يومًا بل الروتين، ولا الاهتمام بل اليأس.
وعندما غابَ الزوجُ، أتى “أبي نعيم ” إلى منزلها واغتصبها. حاولت الإجهاض ولكنّها فشِلتْ فولدَتْ طفلاً من عبثِ هذا الرجل المُعتدي، خرجَ من رحمها إلى الحياة، فصارتْ تعيشُ الخوفَ والعارَ الجسدي والنفسي.
كانت تعاملُ طفليها الأوّلَيْن ” ناجي” و “سالم ” كأمّ وتضعُ فيهما أحلامها الورديّة، بينما صطوف، جاءَ ليكون أمامها مرآةَ اليأس والخيبة، فراحتْ تعامله بقسوةٍ وتضعه في الزاوية في المنزل.
بولادة صطوف ماتتْ أحلامها، انتهتْ آمالها وانتقلتْ من الحياةِ إلى الموت، موت الرّوح الأصعب من موت الجسد. اليست المرأة أسيرة الرحم ؟
بعد تلوّثِ الجسدِ ومحاولاتِ الإجهاض الفاشلة، حاولتْ الانتقام من نفسها ومن طفلها الآتي من دون إرادتها، غرقتْ في بحرِ أحزانها وغرقَ معها طفلها، بالانعزال والتوحّد والتهميش، في عائلةٍ لا ترغبُ بوجوده من دون أن يعرفَ السبب.
ماتت الأم وشعرَ بحنانها لساعةٍ واحدةٍ فقط وكبرَ وعملَ وكان راتبه يذهبُ إلى أخيه كي يصبح طبيبًا ويحقّقَ بذلك طموح والدته، التي فشلتْ بتحقيقِ أحلامها بالتعليم والتخرّج.
أمّا صطوف فلا حاجة له للعلم والمعرفة وكانت الكتب ملجأه الوحيد، كان يهتّمُ بقراءتها، ويجدُ فيها ملاذاً من التهميش العائلي والمدرسي والمجتمعي. نبذته أسرته وزملاؤهُ في المدرسة والعملِ وحتى في حفل زواج أخيه لم يكن مرغوباً به.
تراكماتٌ كثيرة وطفل مُشوّه عاقبتهُ الحياةُ بولادةٍ من رحمِ الاغتصاب ثم بالعملِ من أجل تعليمِ أخيه ومن أجل العائلة.
رفضه المجتمعُ حيث لا يرى الناس فيه قباحة الأفعالِ بل الأجساد.
روايةٌ تأسرُ القارىء بالرغم من الأحداث المأساوية التي تُفاجئنا عن رؤيةِ الناس للفرد في رحلةِ بحثٍ عن الذاتِ الانسانية، عن الهوية المفقودة، عن الجسدِ العابر بالحزن والتشوّه فيحملُ تعقيداتٍ حيث الخيبات كثيرة والموت واحد، موت الرّوح قبل موت الجسد.
تتعدّد المواضيع والأحداث والصراعاتٌ النفسية وتساؤلات وقضايا كثيرة، تهمُّ الشأن الأنثوي والمجتمع العربي بين الخيال والواقع في طقوسِ الخيبة المُشوّهةِ، وفي تحطيم المرأةِ المُغتصَبة بجريمةٍ تُزلزلُ حياتها وتُدمّرها نفسيّاً وروحيّاً وجسديّاً، على ذنبٍ لم ترتكبه فتصير جسداً حيّاً وروحًا ميتة.
حملتْ وحيدةً ثقلَ العار، تحمّلتْ ثمرة الخطيئةِ فلم تجد من يُساعدها ولم تساعدْ هي بدورها طفلها، على تكوينٍ سليمٍ كأيً أمّ حنون. فكان البناء هشّاً والتربيةُ غائبةً والطفل متروكًا لأمرهِ، فتحمّلَ الخوفَ والانعزال وجُوبه برفضِ التعليم لأنّه مشوّه فلا يحتاجُ للمعرفة.
لم ينجحْ صطوف في الحياةِ ولا في الزواج وفشلَ في العملِ إلى أن وصلَ الى اغتصابِ عروسٍ ميتة.
تحوّلَ الطفلُ البريء المظلوم إلى مجرمٍ ظالمٍ باعترافه عن مسؤوليّتهِ في الجريمة.
من خلال الرواية تطرحُ الكاتبةُ أهميّةَ التربية والتعليم والثقافة للأمّ وهي بذلك تضعُ أبناءها على طرقات الخير أو الشرّ.
تنمو شخصيةُ الطفلِ النفسية والجسدية في المنزل وفيه يجدُ أسسَ الحياةِ العاطفية السليمة وفيه يأخذُ الحب والحنان.
فإذا كانت الأمُّ مريضةً فهي توَلّدُ أطفالًا مرضى يقعون ضحايا مجتمعاتهم وتُهمّش حقوقهم… أليست المرأة نصف المجتمع ؟
الظلم يُولّدُ العنفَ والانطفاء والعجز عن المواجهةِ أمام عقدِ العار فيرضى المرءُ بالخيبةِ وتتحطّمُ الأحلامُ.
روايةٌ سهلةٌ مُشوّقةٌ ولو صدمتني النهاية حيث البريء، صارَ مجرمًا في مجتمعٍ ظالم، عملَ كل شيءٍ من أجلِ إرضائه.
اكتبي يا لبنى المزيدَ، ضعي النقاطَ على الحروفِ، أكتبي مشاكلنا وهفواتنا وخيباتنا بقلمٍ سرديّ لا يطمحُ سوى لوضعِ الإصبعِ على الجراح، كي ننهضَ بمجتمعاتنا العربية نحو مستقبلٍ أفضل حيث الوعي سيّد الموقف والرجل سند المرأة، وتربية الطفل أولوية وحضانة الأمومة ضروريّة.
كم من “دلال ” في مجتمعاتنا زُوّجت باكراً، غابتٌ عنها الطفولة، وانتحرت الأمومة وماتت الإنسانية وعجزتْ التربية واندثر العلم ؟
“دلال” كثيرات لعلّ من يقرأ يفهم من خلال الرواية هدف الكاتبة بإصلاح المجتمع. أوليس دور الكاتب أن يدلّ على أماكن العجز في المجتمع ؟
١٣/١٢/٢٠٢٣