عبدالوهاب بيراني

قدمت الفنانة المسرحية “سما” نصاً مسرحياً مونودرامياً جريئاً بعنوان “Wêne” على مسرح مركز Tev-Çand بمدينة قامشلو من تأليف وإداء الممثلة المسرحية سما زيلان وإخراج سمكو جودي، الذي تم عرضه ضمن عروض مهرجان يكتا هركول المسرحي السابع.
العمل المونودرامي “الصور” يستكشف تاريخ استعباد المرأة عبر حقب مختلفة، متجذراً في أيديولوجيات اجتماعية ودينية واقتصادية، عبر اعتماده على آلية التعامل مع صور ولوحات ومحاكاتها شكلاً لصناعة الحوار والمونولوج الداخلي، فكل صورة تمثل نظاماً قمعياً وتلك الصور ترتبط عبر خبط هارموني لتشكل موجزا عن تاريخ المرأة عبر التاريخ، واستطاع العمل أن يقدم فرصة تحليلية عميقة لآليات الهيمنة على المرأة وأساليب الأستعباد ومدى مظلوميتها عبر صور السحق والتهميش التي تعرضت لها المرأة ومازالت منذ فجر التاريخ.
البنية الفنية والرمزية في اللوحات
(الرأسمالية وملكية الجسد):
جسد العمل دور النظام البطريركي في تحويل المرأة إلى “سلعة اقتصادية” تقاس قيمتها بمدى إنتاجيتها أو جاذبيتها، وهو ما يتوازى مع نقد النظام الرأسمالي الذي يحول كل شيء، بما في ذلك الجسد إلى أداة للربح، حيث عكس العمل المسرحي واقعاً تاريخياً ومعاصراً، لمحاولات اختزال أدوار المرأة، ورفضها لأدوار الهيمنة السياسية والاقتصادية والجسدية.
استخدمت “سما” الشخصية النابضة بالحياة والمتمردة على قواعد المجتمع الذكوري حركات جسدية متشنجة معبرة عن رفضها لتقييد المرأة، إضافة إلى نبرة صوتها (خطابها المسرحي)المترددة واستطاعت أن تعبر عن صراعها الداخلي بين الخضوع والتمرد.
تناول العمل قيود النظام الأسري الإقطاعي الرأسمالي الاحتكاري، حيث تجبر المرأة على الخضوع لسلطة الذكر كمصدر للخدمة والإنجاب، وعكست اثار تلك الممارسات داخل جدران الغرف المغلقة حيث القضبان والأقفال كأستعارة للقيود الأسرية، بينما حولت “سما” حوارها مع الجمهور إلى حوار مع الذات، كاشفة التناقض بين التقاليد والرغبة في التحرر، وركزت على العنف الموجه ضد المرأة في عزلها عن الحراك المجتمعي والحياة حيث تحاط بأسوار الدين والحراب، والجشع الأستحواذي.
وعبرت البطلة عن ازدواجية الخطاب الايدلوجي المهيمن الذي يشرعن العبودية تحت مسمى “الشرعية” التي تتناقض ومبادئ العدالة.
تحولات البطلة: من الاستلاب إلى الثورة
الصراع مع الذات:
مثلت “سما” تحول البطلة من الضحية المسلمة لمصيرها إلى الثائرة المدركة لذاتها، عبرت عن هذا التحول بتغيير نبرة الصوت من الهمس إلى الصراخ، عبر تحطيم الرموز المادية
واستطاعت تعزز غياب الشخصيات الأخرى عبر فكرة الصراع مع الذات أولاً، ثم مع الأنظمة، حيث تتحمل شخصية العمل مسؤولية تحررها من ثقل تاريخ وركام هائل من الأيديولوجيا الدينية والتقاليد المجتمعية والأنظمة السياسية الأسترقاقية التي تتشارك في هيمنتها وعقليتها الذكورية الحاكمة، والتي بدورها تبرر حالات استعباد المرأة .
النهاية الرمزية (ولادة الحياة الجديدة):
اختتمت المسرحية بمشهد تعلن فيه البطلة “تحطيم القيود” عبر تمثيل ولادة مجازية، حيث تعود إلى حضن قيودها وتعلن الولادة الجديدة، عبر هذا المشهد الاخير من العمل تقدم الصورة الأكثر ثورية وقوة على مجمل تلك الصور المظلمة، مستندة إلى صورة قوة المرأة وجبروتها وروحها التي لا تستكين رغم حجم الظلم التاريخي،و هذا المشهد يعيد إنتاج فكرة التحرر الكامل الذي لا يعترف بالحدود لتؤسس حياة جديدة للمرأة والمجتمع .
القوة والإشكالية في الرمزية:
بينما نجحت الرموز (القفص) في توضيح فكرة الاستعباد، وان تعدد اللوحات قلل من تأثيرها الدرامي،
رغم تفوق “سما” في تجسيد التناقضات العاطفية، لكن تضيق مساحة الحوار مع شخصيات متخيلة حدّ من إمكانية تطوير الصراع الخارجي، وكان يمكن تعميق الرمزية بإدخال عناصر أكثر تعقيداً، كاستخدام الضوء والظل لتمثيل التناقض بين الحرية والقمع، و إدخال تسجيلات صوتية أو ظلال لشخصيات كان قد يضيف بعداً جديداً، واستخدام اصوات مرتجعة لذاكرة قديمة، وأيضاً، ورغم أن المسرحية غطت حقباً واسعة، إلا أن الربط بينها كان سريعاً، مما قد يفقد التفاصيل الدقيقة لكل مرحلة، كربطها بسياسات العولمة الكولونيالية التي استخدمت فيها النساء كأدوات للهيمنة،
عموما لم يكن العمل المسرحي المونودرامي مجرد عرض مسرحي فني، بل بيان سياسي ضد استمرار أشكال الاستعباد القديمة والحديثة، فالمسرحية تركز على فكرة مفادها أن تحرر المرأة لا يكتمل إلا بمواجهة الأنظمة المتشابكة (الدين، الرأسمالية، الأعراف, الذات)، وهو ما يتوازى مع نضالات واقعية، كتلك التي خاضتها المرأة حول العالم وفي كردستان وخاصة في روج أفايي كردستان، رغم بعض الثغرات الفنية، فإن العمل نجح في طرح اسئلة جوهرية ومارس دوره الجمالي في إبراز دور مسرح المرأة في اماطة اللثام عن قاع المجتمع وبجرأة وطرحها لقضية وجودية حول تساؤل مستمر وهو :
هل ينبغي أن تبدأ المرأة بنفسها بتحرير نفسها بشكل فردي، أم أن التغيير يحتاج إلى ثورة شاملة؟.
