” لماذا تجد الكاتبات العربيات في الرواية ملاذا آمنا للبوح بسيرتها الذاتية عوضا عن تقديم كتاب تحت مسمى سيرة ذاتية؟”
هل يجب أن نفهم من هذا السّؤال أنّه سؤال سيّء النّوايا؟ هل علينا أن نجيب بنعم، للتّأكيد على هذا التّقزيم الذي يطال كتابات النّساء،أو على قمع سلطة الثّقافة الذّكوريّة؛ أم نجيب بلا للتّدليل على حريّة النّساء في اختيار نوع الكتابة التي تخاطب بها العالم من حولها؟
ثم هل يمكن طرح هذا السّؤال على الكتّاب الرّجال؛ أم أن للرّجل حقّ اختيار النّوع والجنس الأدبيّين بينما لا يحقّ ذلك للنّساء؟
لست واثقة من أهميّة طرح المسألة بهذه الصّيغة ولكنّني واثقة من أنّ هذا الطّرح وبهذه الصّيغة يحيلنا على تلك المحكمة المنصوبة للنّساء الكاتبات ولإنتاجاتهن الأدبيّة.
بل لعلّ أسباب طرح هذا السّؤال بهذه الصّيغة تدور في فلك تهميش كتابات النّساء والتّقليل من شأنها.
علينا أن نعترف أيضا أنّ طرح السّؤال بهذه الصّيغة لا يعدو أن يكون وصما للكاتبات العربيّات بالقصور على كتابة الرّواية من جهة وعلى كتابة السّيرة الذّاتيّة من جهة أخرى وإذعانهنّ للموانع الثّقافيّة والمجتمعيّة بصفة عامّة. وهو رأي لا أنخرط فيه ولا أقبل به.
علينا أن ندرك أوّلا أنّ كلّ الكتاب والكاتبات شرقا وغربا يستلهمون ويستلهمن في كتابهم.نّ وخاصّة الروائيّة من حياتهم.نّ وسيرهم.نّ ومن محليتهم.نّ.
ثم وجب أيضا الاعتراف للكاتبات العربيّات بقدرتهنّ على الكتابة الرّوائيّة سواء تمّ الاتّكاء فيها على السّيرة أو غيرها، خاصّة وأنّ كتابة الرّواية أكثر تعقيدا من كتابة السّيرة الذّاتيّة من حيث تقانات الكتابة. والكاتبات العربيّات أثبتن أنّ الفارق بين كتاباتهنّ وكتابات الرّجال ليس إلّا فارقا كمّيّا باعتبار وفرة إنتاج الكتّاب (الرّجال) مقارنة بعدد الكاتبات.
أما عن كتابة السّيرة الذّاتيّة الصّريحة فلأدب العربيّ لا يخلو منها حتّى وإن كانت شحيحة سواء بالنّسبة للكتاب أو الكاتبات وذلك يعود إلى عدّة أسباب منها الذّاتيّ ومنها الموضوعي. ذلك أنّ كتابة السّيرة الذّاتية مشروع تامّ ومستقلّ بذاته ويحتاج إلى رؤية واضحة لماعيّة السّيرة الذّاتيّة ومدى أهميّتها لتشكّل إضافة للكاتب.ة وللمكتبة العربية. فإذا لم يتوفّر هذا العنصر بطل حافز كتابة السّيرة الذّاتيّة. وأمّا الموضوعي وهو الأهمّ بنظري فيعود إلى عدم تصالح الإنسان العربي بصفة عامّة رجلا كان أو امرأة، كاتبا.ة كان أو غير ذلك، مع ثقافة الاعتراف والعراء والكشف والحقيقة وهي ركيزة لا يمكن كتابة سيرة ذاتيّة أو غيريّة دون الوعي بها ودون القدرة على مواجهة الحقيقة العارية. وأعتقد انّ هذا السّبب هو ما جعل الكتّاب العرب والكاتبات العربيّات لا يلجؤون/ يلجأن إلى كتابة السّيرة الذاتيّة الصريحة. بل وحتّى بعض النّصوص السّيرذاتيّة التي وصلتنا لا تذعن لميثاق العراء والحقيقة بل تسقط في معيار التمجيد للذّات.
وحين نقرأ رواية الخبز الحافي مثلا لمحمد شكري وهي تقوم على أحداث سيريّة حقيقيّة وحين نرى كيف قوبلت في النّقد العربي حين ظهورها ندرك صعوبة الكتابة السّيرذاتيّة في ثقافة تحسن صنصرة الإبداع وتنفر من الحقيقة.
ولعلّ السؤال المطروح يصبح أكثر جدوى إن هو تجاوز حكمه الجندريّ وطرح المسألة بشكل جامع لأنّها تخصّ الكاتب بصفة عامّة رجلا كان او امرأة وتخاطب الأنساق المجتمعيّة الظّاهر منها والباطن.
فتحية دبش