ذات مرة دعا الناقد والشاعر الفرنسي آلان جوفروا صديقه الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز إلى لقاء في بيته في باريس، ضمّ بعض الأدباء اليابانيين. لم يكن ماركيز يعرف عن أدب اليابان سوى الأسطر القليلة في الكتب المدرسية، وكان في ذهنه فكرة أن أدباء اليابان، آجلاً أو عاجلاً، ينتحرون.
ربما كانت في ذهن ماركيز حكاية الياباني كاواباتا الذي نال جائزة نوبل للآداب في العام 1968، والذي اختار أن ينهي حياته بالانتحار. يذكر ماركيز أن نيل كاواباتا جائزة نوبل خلق لديه فضولاً في الاطلاع على رواياته، فاقتناها وبعد تصفح سريع ضجر منها، ولكن انتحار الكاتب بعد ذلك كان الحافز الأقوى لماركيز كي ينتبه إلى أدب اليابان، فقصد مكتبة متخصصة في بيع الكتب الأجنبية، ومنها اقتنى كل ما هو متوفر من كتب لأدباء يابانيين. طوال سنة كاملة لم يقرأ سوى تلك الكتب، وأذهله أن للروايات اليابانية قرابة مع رواياته، لم يستطعْ تحديدها، لكنه أحسّ بها عبر القراءة، وهي قرابة لم يشعر بها من قبل عند زيارته إلى اليابان.
من التقديم الذي وضعه عصام محفوظ في ترجمة لحوار مع الأديب الياباني كنزابورو أوي الحاصل، هو الآخر على نوبل للآداب عام 1994، سنفهم أن ما شعر به ماركيز من قرابة بين أدبه وأدب اليابان يندرج في سياق أشمل أتى عليه الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث في دراسة أكثر عمقاً.
في تقديم عصام محفوظ المشار إليه سنقرأ أن كنزابورو أوي يتميز عن مواطنه كاواباتا الذي سبقه في الفوز بنوبل، أنه من جيل ما بعد الحرب، فيما كان الأول وكبار أدباء اليابان الذين نالوا شهرة عالمية، بمن فيهم بوكيو ميشيما الذي انتحر هو الآخر عام 1970، ينتمون إلى جيل ما قبل الحرب التي خرجت منها اليابان منهزمة مدمرة في العام 1945. كان كنزابورو في العاشرة من عمره حين أسقط الأمريكيون القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي، وتفتّح وعيه على لملمة الأشلاء، وآلام الذين سيموتون لاحقاً من آثار الإشعاع النووي، كما عاش مساعي وطنه للنهوض ثانية بعد الهزيمة المدوّية، وطبيعي أن يترك ذلك أثره في أدبه.
لم يُخفِ غابرييل ماركيز تأثره في كتابته لروايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» برواية «الجميلات النائمات» للكاتب كاواباتا، حتى أن ماركيز قال مرة، إن الرواية الوحيدة التي تمنى لو أنه كان كاتبها هي هذه الرواية بالذات، التي تناولت، هي الأخرى، موضوع الشيخوخة من منظور الحب، وعنها قال: لو أن المسنين قرأوا الرواية لقالوا: «الشيخوخة ليست هكذا»، لكن هذا لا يُقلقه، فليس مهماً أن تكون الشيخوخة في كتابه مطابقة للواقع.
المصدر صحيفة الخليج