في الغالب الأعم، عندما يستفسر أحدهم عن أحوالنا، بالسؤال المألوف: «كيف الحال»، فإن الجواب المألوف أيضاَ هو: «ماشي الحال». قد تكون أحوالنا فترة ما وُجّه إلينا السؤال جيدة، وقد تكون ليست على ما يرام، لكننا لا نجد بأساً من القول: «ماشي الحال»، لذا يمكن اعتباره قولاً حمّال أوجه، لا نفصح فيه، صراحة، عن أحوالنا الحقيقية.
قد يحدث أن تقول لمن تعدّه قريباً إلى نفسك حقيقة الحال، كأن تخبره بأن هناك أخباراً طيبة في العائلة أو في العمل أو في الحياة عامة، وقد تقول له العكس: الأمور لا تسرّ للأسف، كل شيء متعثر، والمشاكل كثيرة، والصحة ليست على ما يرام.. إلخ، لكن تبقى «ماشي الحال» هي الجواب السحري، إنها المختصر المفيد، فالأحوال تمشي، سواء كانت جيدة أو سيئة، وقد تُنطق «ماشي الحال» أحياناً بنبرة محايدة جداً أو حتى غاضبة، في تعبير عن «الزعل» أو العتاب، ولعلكم تذكرون مطلع الأغنية اللطيفة لزياد الرحباني، والذي تكرر كلازمة في ثنايا الأغنية والقائل: «قلتي لي تركتك ماشي الحال.. ودعني يا حبيبي ماشي الحال/ أي حال بدك يمشي.. ليش انتي تركتي لي حال؟». إنه التعبير الأبلغ عن اللوم، وربما الغضب.
إن حسبنا أن «ماشي الحال» مفردة خاصة بنا، نحن معشر العرب، فنحن مخطئون. ها هي الروائية إيزابيل الليندي تخبرنا في كتابها «بلدي المخترع» أنه يكاد يكون من «قلة الأدب» في وطنها، تشيلي، أن يعلن المرء أنه راضٍ أكثر من اللازم، لأن ذلك يمكن أن يغيظ من هم أقل حظاً، لذلك فالجواب الصحيح عندهم على «كيف حالك؟»، هو «ماشي الحال»، فهذا «يؤسس للتعاطف مع حالة الآخر».
وتقدم الليندي لذلك سبباً يمكن وصفه بالسوسيولوجي والسيكولوجي معاً، حيث تنسب إلى علماء الاجتماع قولهم إن أربعين في المئة من التشيليين يعانون الاكتئاب، خاصة النساء اللواتي عليهن تحمّل الرجال، وهناك كوارث عديدة حصلت في البلد، وبها فقراء كثيرون، وبالتالي فإنه من غير اللائق أن نذكر حسن الحظ الشخصي أمام أشخاص نعلم ما نعلم عن معاناتهم. وتعطي مثالاً على ذلك بأنه في حال شُخّص لدى فرد ما أصابته بمرض خبيث، ما يحمل الناس على التعاطف معه، سيكون من قلة الذوق أن يتباهى أحدهم أمامه بيسر أحواله وبحسن الحظ الذي هو فيه.
يحضرني الآن ما قرأته مرة لسعدالله ونوس فترة تلقيه العلاج من السرطان في فرنسا قبل وفاته، عن لقائه هناك مع أصدقاء له، كانوا منشغلين، وبحماس، بالتحدث عن مشاريعهم المستقبلية، فيما كان هو مسكوناً، لحظتها، ليس فقط بمعاناته مع المرض، إنما بشعوره بعبثية الحياة.