14-04-2022 | 22:15 المصدر: النهار العربي تونس-كريمة دغراش
أثارت واقعة مقتل فتاة خلال محاولة سرقة حقيبتها، غضباً واسعاً في تونس، وأعادت إلى الواجهة الحديث عن زيادة منسوب الجريمة والخوف من تحوّلها إلى ظاهرة مجتمعية
مساء الحادثة، وقبيل موعد الإفطار بساعتين، استقلّت زينب (18 عاماً) ووالدتها القطار باتجاه الضاحية الجنوبية للعاصمة لتناول طعام الإفطار في منزل الخالة، لكن القدر وضع في طريقهما منحرفاً ترصّد الفتاة ساعة نزولها من العربة وحاول سلب حقيبة يدها في اللحظة التي انطلق فيها القطار. تمسّكت زينب بحقيبتها فجذبها بقوّة، ما أدى إلى سقوطها تحت عجلات القطار على مرأى والدتها التي ظلت تصرخ من دون جدوى.
فارقت زينب الحياة، فيما ألقى الأمن التونسي القبض على الفاعل بعدما تعرّف إلى هويته من خلال كاميرا المراقبة في القطار.
لم تكن زينب الضحيّة الأولى لحادثة سرقة انقلبت إلى عملية قتل ولن تكون الأخيرة، كما كتب كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً على الواقعة، مستحضرين حوادث كثيرة مماثلة. فقد تكرّرت في السنوات الأخيرة جرائم القتل بدافع السرقة، وصارت الجريمة أحد أهم الهواجس التي تسيطر على الشارع التونسي، وغالباً ما تتصدّر أخبارها مقدّمة ما تتناوله وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بالنقاش. أرقام مفزعةوفق دراسة أنجزها “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” (غير حكومي)، لسنة 2021، عرف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، تطوراً ملحوظاً في العنف الفردي، وبلغت نسبته 62.5 في المئة من حجم العنف مقابل 48 في المئة خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، بينما تراجع العنف في شكله الجماعي إلى حدود الـ35.7 في المئة. وحافظ العنف في شكله الإجرامي على المرتبة الأولى في سلّم العنف المرصود، بحسب الدراسة، على غرار السنوات الماضية، وبلغت نسبته نحو 70.8 في المئة من مجموع العنف، يليه في ذلك العنف المؤسساتي الذي كان في حدود الـ12.5 في المئة، ليأتي في مرتبة ثالثة العنف الاقتصادي، ومثّل نسبة 10.4 في المئة من المجموع العام.
وتحتل العاصمة تونس المرتبة الأولى في حالات العنف بمختلف أنواعه، بخاصة في الشارع وفي وسائل النقل بـ132 حادثة خلال شهر كانون الثاني (يناير) 2021 فقط، مقابل 100 حالة لبقيّة المحافظات مجتمعة في الشهر ذاته. ودعا المنتدى إلى إحداث وكالة وطنيّة لمكافحة العنف، تتولّى التقصي حول حالات العنف وتبوّبه بحسب الصنف والجنس والمنطقة. وتقول منسّقة مرصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المنتدى نجلاء عرفة، إن مؤشرات العنف بمختلف أشكاله لافتة وفي تصاعد، وتنذر بتفاقم الخطر، واستفحال الظاهرة التي بدأت تتحوّل من حالات معزولة إلى ممارسة يوميّة وظاهرة مجتمعية.
وتؤكد عرفة لـ”النهار العربي” أن “تشريعات مكافحة العنف لم تتمكن من الحدّ منه أو إيجاد حلول له”، لافتة إلى أنّ “العنف وإن تحوّل إلى الشارع، فإن المرأة والطفل يظلان أكثر الضحايا”. وزيرة المرأة آمال موسى تؤكد ذلك، مشيرة في تصريحات إلى ارتفاع منسوب العنف داخل المجتمع التونسي، مع ملاحظة أن العنف ضدّ المرأة تضاعف 7 مرات. ونظر القضاء التونسي بحسب الأرقام الرسميّة في 1133 قضيّة قتل ما بين 2018 و2019، بينما كان العدد في حدود 309 جرائم خلال سنة 2014، و242 جريمة خلال سنة 2013، و125 جريمة سنة 2011. وصنّف مؤشر “نامبيو” العالمي للجريمة تونس في المركز 65 دولياً لسنة 2019 من بين 118 دولة حول العالم، ومع أنه لفت إلى أن تونس سجلت أدنى مستويات للجريمة عالمياً وعربياً وأفريقياً، فإن التونسيين يشعرون بأنهم ليسوا في أمان. ويقول محمد الجويني (54 سنة)، إنه يمنع أبناءه من الخروج ليلاً بمفردهم خوفاً عليهم. “لا أشعر بأن الشارع آمن، لا يمرّ أسبوع من دون أن نسمع قصصاً مخيفة”، يؤكد لـ”النهار العربي”. وتقول المختصة في علم الاجتماع سيرين الحاج لـ”النهار العربي”، إن من الطبيعي أن لا يشعر المواطن بالأمن والطمأنينة عندما يسمع عن جرائم شنيعة، لافتة إلى أن أسباب ارتفاع منسوب الجريمة متنوعة، بعضها اقتصادي – اجتماعي وبعضها نفسي له علاقة بالتركيبة النفسية للمعتدي، رافضة مقولة أن الجريمة حكر على الأوساط الفقيرة، ومشددة على أن مكافحتها يجب ألا تقتصر على المقاربة الأمنية