مسعود معلوف
واشنطن في 15/05/2025
تابعت دراستي الإبتدائية والثانوية في مدارس “الليسيه الفرنسية” في بيروت، وعندما كنت في المدرسة الواقعة في شارع عبدالقادر وهي الليسيه للبنات حيث كان الصبيان مقبولين فيها حتى صف “السرتيفيكا” أي قبل الإنتقال الى المرحلة الثانوية، زارنا المدير العام لمدارس الليسيه الثلاثة في بيروت، وكنت أجلس في المقاعد الأمامية في القاعة إذ كنت الأصغر بين تلاميذ صفي.
وقفنا جميعنا احتراما للمدير وبدأنا بإنشاد النشيد الوطني الفرنسي بناء على طلب المعلمة التي كانت واقفة الى جانب المدير. وفجأة، رأيت المعلمة تتراجع بعض الشيء عن المدير وتشير الي بيدها ثم تضع إصبعها على فمها في إشارة لي أن اتوقف عن الإنشاد وأسكت. فهمت عندئذ أن صوتي في الغناء يزعج الآخرين ومن شأنه أن يؤثر سلبا على أداء المجموعة.
حزنت بعض الشيء من هذه الواقعة ونسيتها ولكنها بقيت، على ما يبدو، في خفايا ذاكرتي إذ أنني بعد عدة سنوات، عندما كنت في المرحلة الجامعية، رأيت أحد الجيران في الحي الذي كنا نسكن فيه في بيروت يحمل عوداً، وسمعت بعد ذلك أنه يعزف جيدا على العود، فراودتني فكرة شراء عود ودراسة العزف. علمت عندئذ أن في مدينة زحلة عواد معروف يصنع الأعواد ويبيعها. فقصدت المكان مع أحد الأصدقاء واشتريت منه عودا مزخرفأ وعدنا الى المنزل حيث تفاجأ الأهل بشرائي العود.
كان في وسط المدينة أستاذ موسيقى اسمه مصطفى الشريف يعطي دروسا في العزف على العود، فقصدته واتفقنا على ما يتوجب علي تسديده لقاء كل درس، وكنت أثناء دراستي الجامعية أعطي دروسا باللغة العربية في مدرسة الليسيه التي تعلمت فيها، وبذلك لم اكن بحاجة الى طلب تسديد كلفة التعلم على العزف من الأهل.
كان الأستاذ مصطفى الشريف يكتب لي النوطة الموسيقية على دفتر خاص ويبين لي مكانها على العود حتى أصبحت اعرف هذه الأبجدية الموسيقية بشكل جيد، ثم بدأ يعلمني عزف الأغاني العربية بعد أن يكتب النوطة العائدة لها على الدفتر الخاص، وكنت أعزفها أمامه ببطء، ثم أتمرن على عزفها في المنزل في أوقات فراغي إلى أن أجيد عزفها دون الرجوع الى النوطة المكتوبة.
بعد بضعة أشهر من الدراسة الموسيقية والتمرين، تقدمت كثيرا في العزف، ولكن فقط عبر قراءة النوطة المكتوبة ودون أن أتمكن من عزف أية قطعة إن لم أكن درست النوطة العائدة لها وحفظتها. وعندما تبين للأستاذ انني تقدمت في العزف بما فيه الكفاية، قال لي ان المرحلة الثانية ستكون الغناء.
بدأنا بأغنية “آه يا زين” حيث كنت أعزفها على العود والأستاذ يطلب مني أن أرافق العزف بالغناء، ولكني لم أكن أتمكن من توفيق صوتي مع الموسيقى، وكان يحاول جاهداً تصحيح أدائي الغنائي في الوقت الذي كان العزف دون أي خطأ. وبعد جهود غير موفقة، قرر الإنتقال الى أغنيات أخرى، آملاً أن يتمكن من إيصالي الى الغاية المنشودة ولكن كانت النتيجة نفسها.
وبعد بضعة أشهر من المحاولات الفاشلة في الغناء، قال لي الأستاذ أنني حالة ميؤوس منها ومن الأفضل أن أتوقف عن دراسة الغناء وأكتفي بالتسلية بالعزف على العود عبر قراءة النوطة لأن الله لم يمنحني أذناً موسيقية.
تذكرت عندئذ ما حصل لي في المدرسة قبل سنوات عديدة، وتوقفت عن العزف بعد أن التحقت بوزارة الخارجية اللبنانية وتعينت قنصلا في نيجيريا عام 1972، وهكذا انتهت تجربتي مع الموسيقى والعزف على العود بعد أن مارستها لسنوات قليلة.