صالح حصن
صالح حصن
مسرحية “كركديه” هون ( 3مايو2022 )
البارحة كانت سهرتنا مع فرقة هون للمسرح، إمتلأنا ببهجة و إمتاع و شد انتباه وقدح ذهن متابعين لمجريات مسرحية “كاركديه” التي ألفها الكاتب المسرحي المُبدع “أحمد إبراهيم حسن” و أخرجها المُمَيز “إبراهيم فكرانة”. أتناول هنا مشاهداتي الشخصية ولا أدعي أنني أصبتُ لكن ذلك ما وصلني
واختمر في ذهني من انطباعات
١-الكاتب والنص: الكاتب معروف والنص راقي جداً وقد تناول علاقة الكاتب المسرحي بصفته فنان مُثقف له رؤاه وتطلعاته لتخليق مسرحية هادفه يقدمها للجمهور فتأتي بما ينفع مُجتمعه و تقاطع فضاء احتياجه هذا مع حاجة السلطة المُهيمنة التي ترى مصلحة المُجتمع تكمن في الحفاظ على ما تراه هي صالحاً به وعلى ذلك تملك الحق في ممارسة الرقابة و تضييق الخناق. ما ينطبق على المسرحية هنا ينطبق على كافة الأنشطة الثقافية والفنية. جاء النص على مستوى نُخبي فئوي، نخبوي من جانب أنه خالف ما تعود عليه المُشاهد الإعتيادي باعتباره يُشاهد شخوصاً تتمثل في شخصيات يُقارنها بما يعرف في الواقع الحياتي وتُحاكي بسلوكها الواقع مع بعض الرمزية والهزلية والمبالغة، لكن النص دمج بين شخصية المؤلف -الذي ظهر كأحد شخوص المسرحية- مع مؤَديات الممثلين كشخوص أخرى تمثل فيتدخل في تأديهتهم ويخاطبهم مصححاً و يُغير أدوارهم داخل المسرحية ويستجيبون له، و ذلك طبعاً ما قد تستوعبه أو حتى يعجب فئة ممن لهم ارتباط بالعمل المسرحي سواء كُتاب مسرحيات أو نُقاد أو مُتابعون من المُثقفين لكنه ليس سهلاً أو مرغوباً به من فئات العموم خاصة ممن هم يحاولون اكتشاف المسرح و التعرف على مدى الإثارة والإمتاع فيه. على هذا رأيتُ أن النص يمكن أن يُقدم في مُسابقات بين الفرق المسرحية وليس لإستهلاك العموم خاصة وأن المسرح لا يزال عندنا لم يتمكن من بناء قاعدة جماهيرية عريضة تتسع للتنوع الكبير
٢- الفرقة والممثلين: أعرف هذه الفرقة منذ زمن و انها تصر على إحياء المناسبات بمسرحيات جديدة باستمرار وتشارك في المسابقات والمهرجانات ولكنني أعرف كذلك أن لا أحد منهم تلقى دورة في أيٍ من مجالات العمل المسرحي
الممثلون كانوا على درجة مُبهرة من الإلتزام و استيعابهم لمتطلبات المسرحية وقد عهدنا ذلك منهم من قبل وما هو جميل منهم أن التطور بين كل مسرحية و التالية لها نراه فيهم بوضوح و أنهم لا يفقدون الحماس للعمل وهذه إذا ما عرفنا أنهم متطوعون وما يبذلونه من جهد كانوا قادرين ان يستثمروه في مجالات أخرى أكثر ربحاً لكنهم يفضلون ما يؤكدون به تحملهم مسؤولية التطوير بالتنوير. و الأهم أنهم يحسون بامتنان الجمهور منهم وهذه
مكافأة تُرضيهم لكن ذلك يحمِّل وزارة الثقافة مسؤولية التقصير و وصمها بالجهل للأسف الشديد.
٣- الجمهور كالعادة لا يرضى بأن يتنازل لقياسات التقييم ولو دخلها لظلم كل ما سواه فليس غير أن نصفه و لا نضعه خارج التقييم. أثناء العرض كنتُ أحس بأنني الوحيد الذي يشاهد المسرحية وأنا في الصف الثاني بالمصفوفة التي على اليمين، لولا أن الذي أمامي كان قد “عنقر طاقيته” و قوائم المصوراتي الثلاثية الثابتة كانت أمامي على الجانب الأيسر، أما من ملأوا المسرح فلا صوت لهم فلا حِس و لا مِس غير أنهم كانوا يتجاوبون مع مجريات المسرحية بشكل جعلني أشك في وصفي لنصها بأنه نخبوي فيصفقون متى وردت عبارة إيجابية على لسان ممثل، سواء وطنية أو سلوكية كذلك يتفاعلون مع فقشاتها بالضحك، أما التعليقات أو الصياح أو حتى الهدرزة أو رنات الهاتف فلا وكأن أحداً هناك
٤- الديكور والإخراج: “الرسوة الكبيرة” ابراهيم فكرانه حفظه الله، انتظار مُفاجآته في كل مسرحية حدثٌ بحد ذاته، لم نتعود منه على تكرار و أرى أنه لا يرى مُستحيلاً لثقته في عناصر تحف به ذات اليمين و ذات الشمال يحسن التعامل معها و تثمن هي مقدرته و وضوح أهدافه و رؤاه العملية والفنية. لا يمكن لي ذكر أسماء لأنني لا أعرف مساهمات كل منهم لكن للرسامين وجود تتسلط عليه الأضواء فلا بد أن يظهروا و الرسام “عماد السنوسي” تجده حيث ما التفتت في كل منشط بابتسامته الوضاءة و يداه الملطختان بالأزوقة “إلا ما بين العاشرة مساءً و العاشرة صباحاً ً….. حكومة يا بي هههههه ” ولا أشك أن بصمته كانت بارزة في ديكور المسرحية. بعد الثلاث ضربات فتحت الستارة ثم لم تغلق بين فصول المسرحية حت نهايتها وقد اكتفى المُخرج بإطفاء النور مع ومضات فلاش في زمن لا يزيد في تقديري عن 30 ثانية تتبدل الخلفية خلالها بين موقعين أحدهما مكتب المسؤول المؤثث جيداً و الآخر غرفة عامل مهترئة في موقع صحراوي. الصورة العامة على الخشبة مُريحة في الموقعين والإضاءة جيدة و جاذبة حقاً. أما لواقط الصوت فلا وجود لها على الإطلاق ولا أظن أن ذلك تأففاً ولكن لأن التوفير واجب خاصة لمن لا دعم لهم ولا دخل مُرضي و متى لم تكن هناك حاجة لها لرقي الجمهور و تقديره للمسرح كفن.
…….
عيد سعيد وهنيئاً لنا بكم فرقة هون للمسرح و ما أسعدنا بوجودكم فينا.