كانت الطريق أطول «مشوار» اجتزته ممسكة بيد أبي للوصول الى شارع الحمرا، طفلة تمسك دفتر الأحلام بيد والفرحة تملأ قلبها، لتقدم ألبوم «ريكو» المكتمل بالملصقات وتستبدله بهديّة.. في طفولتنا، كان لشوكولا صغيرة اسمها “ريكو” طعم يفوق السكر تلك القطعة من البسكويت المغطى بالشوكولا كان لها مذاق آخر، والسّر يكمن في ذلك الملصق الصغير الذي عمل على جمعه «جيل الطيبين» ، تلك الصور العشوائية ل «ريكو» كنا نلصقها في دفتر خاص، نعد ما ينقصنا نتبادل الملصقات مع أترابنا، وننتظر بشغف اكتماله، نحلم بالهدية الموعودة.
كنا نطلب من آبائنا صناديق من «ريكو» ليس هوساً في الشوكولا، بل رغبةً في نيل اللعبة الموعودة، أن نسعى الى هدف، أن ننجز ما بدأنا به، أن ننتظر ونفرح مع اكتمال المجموعة.
لم يكن أحد يبيعنا وهماً. كانت الهدية حقيقية، والفرحة نظيفة، والرحلة بريئة من كل استغلال اليوم.. الزمن تغير.. أصبحت الملصقات دمى مخيفة في الشكل، فارغة من المضمون.. تباع في علب مغلّفة، لا نعلم ما فيها، ولا أين تنتهي.. أشكال و ألوان غريبة قد ترمز الى ما لا يشبهنا ويخالف قيمنا… نفتح العلبة لا لنفرح، بل لنقيس درجة الصبر.. لنحفّز الإدمان عندنا، بعد أن فشلنا في الحصول على القطعة النادرة والسريّة.
بتنا نلهث وراء لعبة لا قيمة لها.. ندفع المال لننال اللاشيء، ونعيش في دوامة من الشراء العشوائي، بلا هدف في زمن “لابوبو” و”سوني أنجل”، لم تعد اللعبة تزرع فينا الحلم… بل تُدرّبنا على الاستهلاك كعادة، والمفاجأة إدمان والفراغ غاية.
فهل ما زال فينا من يشتاق لريكو… لا طعمًا، بل معنى؟
من تجارب الطفولة البريئة التي علمتنا الصبر والحلم، أصبحنا اليوم نتقن نوع آخر من التجارة والتسويق المبني على علم النفس السّلوكي، يُفعّل شعور المكافأة في الدماغ، ويدفع المستهلك وخاصة المراهق إلى الشراء عدة مرّات، بدافع الأمل في الحصول على «القطعة النادرة» حتى لو استمرت هذه العملية وتكررت عدة مرّات.
في كل مرّة تُفتح فيها علبة عشوائية، يُفرز الدماغ” الدوبامين” تلك المادة الكيميائية التي تمنح الشعور بالمتعة المؤقتة، تماماً كما في ألعاب الحظّ والمقامرة. وهكذا يتحوّل الطفل من باحث عن لعبة، إلى مستهلك متكرر يعيش على وهم المفاجأة، وتتحوّل اللعبة من غرض للتسلية إلى أداة لتغذية الإدمان “ريكو” كانت تجربة تبني الحلم خطوة خطوة، تُكافئ من يُكمل وتُعلّمه معنى الانتظار والفرح والنهاية السعيدة.
أما “العلبة العمياء” الحديثة، فهي لعبة بلا نهاية، تُكرّر نفسها لتُبقي المستهلك في حالة شِبه دائمة من اللهاث خلف قطعة لن تُشبع حاجاته … حتى إن حصل عليها. وهنا تتجلّى الصورة واضحة بين جيل تربّى على معنى الانتظار ، وجيل يُربّى اليوم على عادة الشراء بلا تفكير.
