د. عماد فغالي
شاعرةٌ، تسبحُ في مياهٍ غريبةٍ، لا تأمنُ مجراها. سياقُها الشعريُّ غارقٌ في الدلالات، تُدرك أنّكَ تتعرَفُ سمكةً بهيّة في وحالٍ آسنة… كأسُ شعرٍ مترعةٌ إنسانًا في قامة امرأة! هكذا “إنّي الغريقةُ في طينٍ تقمّصني
ومذ طرقتُ خيالَ الماءِ لم أعُدِ”
مريم أديب كريّم، في قصائدِها كلّ المرأةِ ملءَ إنسان. تكوّنتْ شاعرةً نبضَ دلالةٍ على امتداد ملهَمةٍ تقولُ سرَّها المكنونَ “ترياقًا لمن نزفا”!!امرأةٌ واضحةُ المعالم، واعيةٌ مكاناتها الشخصيّة، واقعيّةُ التعبير في مجازٍ دلاليّ، تحدّد
“…أضناني شتاتُ غدي
قد جئتُ أبحثُ في عينيكَ عن بلدي”
في بعض بيتٍ زمكانيّةٌ متضادّة، مؤشّرٌ سرديٌّ لشبه سيرةٍ ذاتيّة. شتاتُ غدها في عينيه ضالّتُها البلد. الشتاتُ زمانٌ يضنيها، تبحثُ له عن استقرارٍ في المكان، ” في عينيكَ… بلدي”
تحاولُ الشاعرة، لا، تخوضُ رحلتَها في المحرَم، انزياحًا إلى المجاز، تدعوه “كن أنتَ أنتَ معي”، هذا الإله الصنم الهاربةُ تشكوه لغربةِ البحر… هل بعدُ أوجعُ من تخلّياتٍ عن مبتور إنسانيّةٍ إلى عناصر الله الطبيعة، علّ فيها عناقُ المدى، إنقاذيًّا لروحها الفيها “شكّي ومعتقدي”
هناكَ في تلكَ الفلوات، تجدُ مريمَ لحالها الرميم بلسمًا يداوي حُرقةَ
“هم مزّقوا ورقي خوفًا لأنّهمُ
ما طاولوا النطفةَ الخضراءَ ملءَ يدي
وما استقلّوا جناحَ النور قاطرةً
وما تعافوا من الأوهامِ والعُقَدِ”
يمارسون الخوفَ عنوةً لأنّهم أشباه رجال، أشباه ناس غارقون بالأوهام والعُقَدِ… نمطيّون الفكرُ لا يدركهم، قابعون في ظلاميّةِ لا شخصيّتهم التبعيّة، لأنماطٍ مجتمعيّة لا يفهمونها ولا قبَلَ لهم على تقديرِ دورهم فيها
مريم، المحلّقة على جناح النورِ في الفضاءاتِ الكاشفة، قصيدتها مرآةٌ تعكسُ في عينيها فوق الورقِ ألمعيّةً تضجّ في داخلها، كمُدامٍ يهدرُ في الدنان المحيية، نشوةً إنسانيّة لا يشعرُها إلاّ النورانيّون
“في موسمِ الحزن يحكي الدمعُ قصّتَه
وقصّةُ الجرح ممزوجًا بنشوتنا…”
تذرف شاعرتُنا جرحَها دمعًا في وجعٍ، جرحُها نشوةٌ “والحبُّ ما الحبّ؟ روحُ الله قال أبي
يجتاحُ يسرجُ في أحداقنا الشغفا”
تنظرُ مريمُ غايتَها، تتلمّسُ إليها الطريقَ آياتِ نفسها المنزلات، من وحيٍ قيَميٍّ نشأتْ في فطرته، تَنشدُه ثائرةً بماءٍ تحبو على سفحِه، تسيرُ إلى عمقه، حافيةَ المكرمات، تحجُّ بيتَ المقدسِ الإنسان. شفيفةً تمخرُ العُبابَ الهائج، تقولُ تفلّتاتها بأنوثةٍ واهجة، تملأ كأسَها الخافق بسكرةِ المطلق… أعمدةُ هيكلها الحبُّ، الحريّةُ وإبداعٌ… أمَا أيقونةٌ في عالي اسمِها؟
غرفة 19
- شرياني المُعَتَّق…!!سهيل درويش
- انقطاع التواصل بين الأجيال/ وتحولات الشعرية العربية في الألفية الجديدة”
- إنسـان فيتـروفيـوس- للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1487
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن