عدنان كزارة
كم تمنيت وأنا أنهي قراءة رواية (اسمي زيزفون) للأديبة د. سوسن حسن، أن يكون كل سوري مهما كان انتماؤه وموقعه الثقافي، وتحصيله المعرفي، مثل زيزفون، فهي الإنسان المكافح، البار بأسرته، النابذ للعادات المتخلفة، الرافض للخرافة، الجريء في محاربتها حين أقدمت على حرق المزار ، رمز الخرافة والاستلاب، زيزفون المنتمية إلى وطنها وعروبتها كانتماء أصيل ووحيد، قادر على توحيد أبناء شعبنا تحت راية واحدة، زيزفون الصادعة بكلمة الحق أمام كل القوى الظالمة، ممثلة بالأفراد أو بالقطيع أو بالنظام، زيزفون التي أخلصت في حبها فكان لمن يستحقه ويقدره، كما أخلصت في كرهها لكل ظاهرة سلبية ولمن يمثلها من أدوات مجرمة حتى لو كانت من أقربائها؛ فهي فوق التحزبات الطائفية والعشائرية والمناطقية مما أصبح عملة رائجة في مجتمعنا السوري أثناء الأحداث المأساوية وبعدها، والتي يتداولها النظام ويفرض تداولها على البسطاء بالإيحاء لهم أنها صمام الأمان، مغررا بهم، مسطحا وعيهم أو مزيفه، ولعل في موقف والد زيزفون نموذجا لهؤلاء، حين كان يحاورها من موقع طائفي ، مرددا ما يروجه النظام. زيزفون كانت تناضل ضد انتهاك حقوق المرأة وتقدم نموذجا للمرأة الرافضة لكل ما يتنافى مع المنطق الإنساني والوضعي، كانت تريد أن تنتقم للنساء المضطهدات في مجتمعها، لأختها عواطف كنموذج بعد أن استباحها المتنفذ في معهدها ودفعها للانتحار تخلصا من عارها، كما كانت ساخطة على النسوة اللواتي قبلن أن يكن أدوات رخيصة أو أدوات متعة للمسؤولين كتماضر أو اللواتي بهرتهن المظاهر وانغمسن في الإثم الذي يمارسه الرجال عن سبق إرادة كزكية. كم أتمنى أن تحمل كل أنثى في وطني جينات زيزفون لتورثها للأبناء والأحفاد حتى ينبت جيل جديد مؤمن بوطنه، موحد في أهدافه، مجسد بتصرفاته ومعتقداته سورية الحضارة، سورية التعايش والتعاون والمحبة. لقد كانت نهاية الرواية رمزا لقدرة الشر المستحكمة، وكان الحريق المفتعل لبيت زيزفون من فعل فاعل، وأصابع الاتهام تتوجه بقوة إلى شعبان الذي أعماه جشعه عن كل شيء حتى عن الرابطة العائلية؛ فقد باع نفسه للشيطان منذ أمد بعيد، منذ أن رضي أن يكون أحد أدوات نظام استبدادي يراهن على تمزيق الشعب في سبيل الاحتفاظ بكرسيه، فكانت النهاية واقعية لا مثالية، لكن وجود أمثال زيزفون وسعيد ومنير وحمادة وعابد والشرفاء الذين لا يخلو مجتمع منهم، كان بمثابة الأمل الذي عول عليه الراوي، وحمل رؤية المؤلفة التقدمية ونظرتها إلى المستقبل الذي يمكن لهذه الشخصيات الإيجابية أن تشخصه وتجسده.
لقد توخيت أن أكتب هذه الانطباعات عن الرواية؛ فهي تستحق الكثير من القراءات الفاهمة المنصفة، فهي واحدة من الروايات التي لا تنسى، والتي عالجت بعمق الأزمة السورية من موقع تقدمي إنساني، وامتلكت لغة مشرقة مؤثرة كانت أداتها الرائعة في التعبير عن رؤية الكاتبة النافذة وراء ظواهر الأحداث إلى جوهرها وعمقها.