\
لا شيء خلف السور
شعر
الصادر عن دار الولاء لصناعة النشر
الطبعة الثانية 2024
أربعة وثمانون بعد المئة من الصفحات، بلا مقدمة مذيلة باسم رنان، مع إهداء بسيط يحتوي على كلمة لم أفهمها، كانت أكثر من كافية لأعرف أن ” لا شيء خلف السور” الا الشّعر. بل أن هذا الشعر قادر على تحطيم كل الأسوار ويحطم معها كل الرتابة والنمطية والركاكة التي تتكدس في الذوق العام بسبب ما تعرّض له هذا الأخير من نوبات تقليدية ناتجة عن كثرة القصائد وقلة الشعر.
أنا قبل كل شيء أبحث عن جديد الشعر وبديعه. لا يهمني حسن الصيت ولا عمر الشاعر أو عدد ضحاياه من الأورق المغلفة بإتقان ولا العناوين الغريبة ولا الجماليات التي تسبح في غير فضاءات القصيدة. القصيدة هي الأصل والفيصل. هيا بنا نبحر في بعض هذه القصائد.
واكسر مساءَكَ غير مأسوف عليه
فإن في قلب المساء صباحَكَ
عمق بمنتهى السهولة. الشعر أكبر من التفسير.
الشعر عند آيات جرادي آيات يأتي بها الوحي بكل سهولة بدون افتعال أو صناعة متكلفة:
النحتُ في الصخر، أمّا الشعر يتعبُهُ
أن تستريح على جنبيه حطاباً
وهو، أي الشعر، طاسة دهشةٍ لا تملأُ.
فالقصيدة برأيها تأتي مثل الوحي والابداع مفرد ولا يأتي من الجماعة وهذه نظرية قديمة وتوافق جميع الفنون.
تقول في مكان آخر:
كم فكرة طاردتها عن المساء
فايقظتني في الصباح الباكرِ
النحت من حيث إزالة الزوائد عن جسد المنحوتة مقبول أما كثرة النحت الذي يجعل من الإزميل سكينًا فهذا أمر لا صلة له بالشعر.
لا أخفيكم أن الشاعرة لم تلتزم بالقانون، المشار إليه أعلاه والذي وضعته بنفسها، في كل قصائد الكتاب. وهذا برأي لا يعيب الشاعرة فليس سهلًا أن يحافظ الشاعر أي شاعر على لياقته الشعرية والإبداعية في خمسين قصيدة مشدودة على أوتار السطور بين ضفتين من الورق والألوان، ولاسيما في قصائد المناسبة التي تحتاج بحكم تكوينها الى التطويل.
خلف أسوار آيات جرادي كثير من الشعرية في مواضيع متنوعة من حب وحكمة ووجدانيات وحب الارض والايمان والقضية والخوف…
تخاف ….
من أن يمرَّ الوقت أسرع خطوةً
مني وأعلق في الزمان ورائي
هو الشعر يا سادة، هو الشعر الي يجعل الشاعر شاعرين: الأول يماشي الزمن بحكم قوانين العناصر والثاني يتأخر ليعلق وراء الزمن. بيت خماسي الأبعاد. هل كل القصيدة بهذا المستوى؟ لا. فالبيت الذي يلي تقول فيه:
ما زلت أذكر كيف كنت صغيرة
وغفوت بين يديك ذات مساءِ.
وهذا لا يعيب القصيدة طبعًا. فما قيمة الجبل بين الجبال؟ قيمته تزداد عندما تمتد السهول من هنا ومن هناك.
ومثلما توسلت الشاعرة هذه الثنائية أعلاه توسلتها في مكان آخر يحاكي ذات المفهوم حين قالت:
تحتاج أن تسلبَ الغيّاب أعينهم
حتى ترى ما رأوا في الضفة الأخرى
وبذات المعنى:
أمسك بكف الشعر تصبح شاعرا
يتأمل الأعمى بعين الرائي
ما أجمل هذه المقاربات!!
آيات متحررة، كالحب، من كل قيد في طوفان قلمها كما تقول:
تحرر من قيود الحب حتمًا
يموت الحب إن أضحى لزاما
وتقول لا يهم إن أخطأ الشاعر… فهذا يدفعه للمجد ان توسل الأفضل.
شكرا لأخطائي التي لا تنتهي…
فالمجد كل المجد للأخطاءِ
وقد يكون من هذه الأخطاء تكرار بعض المفردات في كثير من القصائد أو تكرار كلمات تفتقد الى الانسيابية الشعرية والموسقة مثل كلمة: تتقوقع.
التناقض من صلب شاعرية الشاعر فهو الاسود والابيض… الهنا والهناك تقول آيات:
ما دمت حرا، لا تحتاج أجنحةً
حتى تحلق، بل تحتاج أسبابا
ومن ثم تقول:
يا واهب الضوء أسماء وليس يًرى
هبني جناحين حتى أحسن السّفرا
عندما انتهيت، على غير عادتي، من قراءة هذه المجموعة الشعرية في جلسة واحدة، سألت نفسي ما قصة الصوت والضوء واللون الأخضر في قصائد أيات؟
وأتى الجواب، هو صوت الشعر والحق في قصائد تختزل الضوء وتجاريه ولا تترك لنا الا الامل الأخضر.
لا تلتفت أبدا لحسن قصيدتي
فلكم أجمّل في الخفاء خسائري
لو تسمحين أن أخالفك الرأي فداخل الأسوار وخارجها، كما سبق وأشرت، نجد الشعر أخضر.
شكرًا آيات جرادي بسببك تناول هذا المساء جرعة زائدة من الشعر.
والسلام.