أي لغة يخوضها الشاعر الكبير علي عبد الله خليفة ليرفع سوية المعاني والدلالات إلى برزخ الدهشة
حيث الدهشة تعمل على تحريك نمطية العلاقة الوجودية بين الإنسان والأشياء، عادة لا نقارن عمق الفكرة لدى الأديب بعمقها لدى الفيلسوف. ففي الأدب ننشد المتعة لا الحقيقة، وننتظر اللذة الفنية لا الأدلة العقلية أو البراهين المجردة. فكيف إذا تمثلاتا المتعة والفلسفة معاً عند الشاعر.
هذا المتخيل والتماثل مع الطبيعة كان بداية للتعرف على تلك القامة الأدبية والتجربة الشعرية لديه، والتي امتدت لأكثر من نصف قرن رسم فيها مسيرته الإبداعية كملحمة شعرية كانت ثورة في الشعر الخليجي بتناوله الإقطاع البحري كريادة في بدايته، ومروراً بالشعر الشعبي وتطوير قوافيه إلى أقصى الحداثة، شاعر يزغرف المعاني ليلون خارطة الشعر البحريني المعاصر.
العمل الفني ليس منفصلاً عن العالم الذي نعيش فيه، ولا عن فهمنا لأنفسنا، نحن بلقائنا بالعمل الفني لا نخطو خارج الزمن والتاريخ، ولا ننفصل عن أنفسنا ولا عن الأشياء المحيطة بنا، غير أننا نصبح حاضرين حضوراً أكثر إمتلاءً بالكون،
ففهم الفن يأتي من خلال الانفتاح على الوجود، ومن خلال الإصغاء على السؤال الذي يلقيه علينا العمل الفني، لأن من يستمر ليس ذاتية الشخص بل العمل الفني نفسه، وهذا تأكيد على استقلالية العمل الفني وديناميات وجوده الخاص الذي يحرر التأويل من خرافات الثنائية الزائفة (الذات، الموضوع …الشكل والمضمون.) يؤكد على فهم الطبيعة التاريخية والزمنية للعمل الفني الأدبي، لذلك لا نستطيع أن نفهم نص ما أو موقف ما إلا إذا ملأناه بالموقف الجاري، وبذلك نحدث موقف جديد وعلاقة بين ما هو ماضي وحاضر للوصول للمستقبل.
وهذا يؤكد أن التأويل منهج فهم وتفسير النص وهو مصطلح قديم ارتبط بتفسير النص الديني، لكنه تطور بمرحلة لاحقة إلى مجالات مختلفة ومنها المجال الأدبي، وبما أن التأويلية لا ترفض السياق الخارجي في تأويلها للنصوص على سياقات خارجة عنه مثل سياقات اجتماعية.. نفسية ..تاريخية …ترتبط بالأدب والظروف الاجتماعية التي فرزته .
وبما أن الأكثر ما يؤرقنا هو المنهج النقدي العربي وتطويره وتجديده وما هي الإمكانيات المتاحة والمتوفرة في المناهج الحديثة، لننهل منها أفكار ورؤى جديدة تفتح لنا أبواب تجديد المنهج، ونكون في نفس السياق والسباق العالمي للتطور الفلسفي والنقدي، من خلال نظريات ومناهج جديدة ومتجددة ومناسبة للبيئة والثقافة والتراث العربي.
وعلى هذا سوف أتناول هذه المسيرة من خلال دلالاتها وتأويل معانيها وتفسير احتمالاتها، لذلك سأبدأ بمقدمة تعريفية عن اشكالية التناول وأهميته وكيف ستكون تأويلية بول ريكور أساس فلسفي نقدي لفتح معالم وأسرار الشاعر، ومن ثم نذهب معه وبه في رحلة شعرية نفك معالم القصيد، ونعيد تركيبها كفسيفساء من الصور والأفكار والدهشة لنصنع لوحة من قوس قزح.