نجاة الفارس عن 24:
تشكل الدراسة النقدية الفنية “التحولات السردية في الأدب الإماراتي” للناقدة والأكاديمية الإماراتية الدكتورة مريم الهاشمي، إضافة نوعية وجديرة بالاطلاع عليها للمهتمين بحقل الدراسات النقدية في المشهد الثقافي الإماراتي عامة، وفي الرواية الإماراتية خاصة، فقد تناولت الناقدة الرواية الجديدة أنموذجا.
وجاءت الدراسة في فصلين، حمل الفصل الأول عنوان ” اتجاهات الخطاب السردي في الرواية الإماراتية الجديدة”، وتطرقت الباحثة فيه إلى 3 اتجاهات، التاريخي والواقعي والعجائبي، أما الفصل الثاني، وعنوانه ” تطوّر التقنيات الفنية السردية في الرواية الإماراتية الجديدة” فقد عرض 6 تقنيات، وهي، تقنية السارد (الرواي)، التقنية الزمانية، التقنية المكانية، التقنية الحوارية، وتقنية الشخصية، ثم تقنية اللغة.
توضح الدكتورة الهاشمي في الدراسة: “أن مرحلة الرواية الجديدة، والتي غلب عليها طابع التجريب والحداثة في الشكل والمضمون، سواء في اللغة السردية أو الحوارية أو تطور شخصياتها، تطورت طريقة تناولها للموضوعات الاجتماعية، كما طرأت عليها الجدة الموضوعاتية بفعل التبدل والتطور الاجتماعي والاقتصادي والحضاري والذاتي ، والتأثر بالآخر، الذي يميز الإنسان في المنطقة، وهو ما أثر في الكتابة الإبداعية لتظهر شخصيات مهمشة في المجتمع وتكون هي الشخصية الرئيسة في العمل الكتابي”.
وتقول: “ظهرت أسماء روائية من كتًاب الإمارات أثبتت حضورها الجاد مشبِعة ذائقة شرائح مختلف من المتلقين، فمنهم من برع في الاتجاه التاريخي ومنهم في الغرائبي، ومنهم في الاجتماعي ومنهم في الواقعي، ومنهم من جمع بين أكثر من اتجاه في مشروعه الكتابي، ما يمكن أن نسميهم جيل التجريب والحداثة، كالكاتبة ريم الكمالي ولولوة المنصوري وسلطان العميمي ونادية النجار وصالحة عبيد ونجيبة الرفاعي وفتحية النمر ومحمد بن جرش ومنى التميمي وعلي ابوالريش وفاطمة الشامسي وميسون القاسمي وباسمة يونس، وغيرهم.”
وتشير إلى، أن أصحاب الرواية ممن ينتمي لجيل الرواد أبى إلا أن يواكب التغيير كما فعلت الرواية، أبت أن تقبع في قوالب، لتنساب أقلامهم مرنة وخارجة عن النمط الكلاسيكي التقليدي، إلى أنماط لموضوعات تناسب وتوافق توجه الرواية المتجددة، واستطاعوا بذلك أن يؤكدوا حضورهم الإبداعي وأن يسهموا في التلاقح الحضاري مع الجيل الحديث بالتفاعل الثقافي والإبداعي على حد سواء” .
وتؤكد أن الروائي الإماراتي روائي مثقف تشرب من نبع التراث العربي واستلهم منه في كتاباته الإبداعية، وبه تطور وعيه الفكري، والذي بدا جليا من خلال التحولات السردية التي اتجه إليها رغبة في توثيق بصمة روائية إبداعية للرواية الإماراتية أمام نظيراتها العربية أو العالمية”.
وتختم الهاشمي دراستها قائلة: “إن الرواية الإمارتية وبكل تحولاتها الفنية من تناول في المضامين و تقنيات سردية تم توظيفها من أجل الحضور الإبداعي الكتابي والذي كان بفعل التطور المعرفي، لتجعل الرواية الإماراتية تحتل المكانة التي يتطلع إليها المجتمع القرائي والثقافي، وذلك في المجال البحثي وحضورها للمتلقي وهو ما جعل الرواية ومن يمتهن كتابتها يتوجهون إلى تطوير سماتها الفنية وتحولاتها السردية”.
وتضيف: “اتضح لنا من خلال البحث أن الطموح المرجو حول الرواية الإماراتية هو أكبر مما وصلت إليه، فمنذ ظهور أول رواية مكتملة العناصر ” رواية شاهندة ” ، أخذت بعض الأقلام الروائية على عاتقها أن تكون لها شخصية روائية جادة “.
وبالنسبة للموضوعات الروائية والقضايا المجتمعية فهي ترى أنه لم يطرأ عليها التغيير الكبير في تاريخ الرواية الإماراتية إلا في بعض القضايا التي ظهرت بفعل التحول المجتمعي في الإمارات كقضية التطرف، وقضية الحقوق السياسية، وإنما كان التطور في طريقة طرح القضايا الاجتماعية، فكانت اللغة أكثر قوة واتزانا، كما أخذ التاريخ حيزه في الموضوعات.
وبالنسبة للمرحلة الآنية لفن الرواية في الإمارات توضح الناقدة الهاشمي: “أنها مرحلة تتطلب البحث الجاد لما طرأ عليها من تأثير للتلاقح الثقافي والأدبي والفكري والإنساني بين حضورها في الأجيال الأدبية – جيل الرواد وجيل الشباب – إلى جانب التنوع الديموغرافي والثقافي المتفرد للإمارات والذي ما لبث أن ظهر جليا في النتاج الروائي الذي استمد موضوعاته من نبعه وكذلك فعالية الفعل القرائي الموسوعي للكاتب جعلته يتبنى نوافذ جديدة في استخدام العناصر الفنية للكتابة الروائية التي جعلته يحاول تجاوز المحيط الجغرافي إلى أبعد من ذلك” .
وعن الفضاء المكاني للرواية تذكر: “الفضاء المكاني نال حقه من التطور كونه تقنية سردية تعتمد عليها الرواية وتتكئ عليها التقنيات السردية الأخرى كونها القاعدة المسيّرة للشخصيات والمطوّرة للأحداث وسيرورتها في العمل الأدبي وبشكل أكبر في الرواية التاريخية والواقعية”.
وبينت أن الرواية الإماراتية الجديدة تميزت بالتجريب، فلم تعد تقدم رؤية مباشرة للعالم؛ بل رؤية فنية تنشد المواربة والتضليل بعيدة عن التقريرية والوعظية، أما الغرائبية كتقنية واتجاه جديد فهي سمة من سمات الرواية الإماراتية الجديدة، وهي من التحولات السردية التي يصير معها الكاتب فضلا عن كونه مبدعا يعنى بجماليات السرد متبصرا بمختلف المفاهيم التي استقاها من مخزونه المعرفي، فحوادث قصصه وإن كانت من صنع الخيال فما هي إلا انعكاسات أو رموز لحقيقة عصره.