د. حسن مدن
قهوة بالهيل
د. حسن مدن
قهوة ب”الهيل”لعلّي قبل سنوات أتيت على ذكر مقهى قصدته ذات زيارة إلى روما، عاصمة إيطاليا، يوصف بأنه أقدم مقهى في أوروبا، اسمه «المقهى الإغريقي»، ويومها تساءلت: لماذا المقهى الإغريقي في روما؟ ولمَ لا يكون المقهى الروماني نسبة للمدينة وتاريخها العريق، خاصة حين تعلم أن شعبها
شغوف بشرب القهوة، وبارع في طريقة تحضيرها؟
السبب يعود إلى مؤسس ذلك المقهى، اليوناني الأصل، نيقولا ديلا مادلينا، وكان لافتاً أن الرجل أتى روما ليس من أثينا أو من أي مدينة إغريقية أخرى، وإنما، ويا للمصادفة الجميلة، من بلاد الشام أثناء الحكم العثماني لها، ليفتتح ذلك المقهى في القرن الثامن عشر، وتحديداً في عام 1760. لا بأس، إذن، أن نقول إن الشام كانت جسر القهوة إلى روما.مع ذلك فإن الراجح بين الروايات أن منبت القهوة الأول هو اليمن، وإن وجد من قال إنه الحبشة، لكن في أكثر من مرجع ستصادفنا الرواية القائلة بأن الفضل في اكتشاف القهوة يعود إلى أحد رعاة الغنم باليمن، وثمة من يقول إنه لم يكن وحده، وإنما كل الرعاة، حين لاحظوا أن الماعز التي تتغذى ببعض الثمار العنبية تظل نشيطة طوال الليل، وترقص أيضاً، فحكوا هذه الملاحظة إلى أحد الشيوخ الذي قام بجمع هذه الثمار ونقعها ثم شرب ماءها، فنشط في الحال، وسمي المشروب بالقهوة، لأنه كان مادة منبهة.حول التاريخ يختلف المختلفون كالعادة، وحين يتصل الأمر بالأسبقية أو الريادة يتنافس المتنافسون
سيأتيك من ينفي هذه الرواية، وينسب أصل القهوة إلى بلد آخر أو أمة أخرى، لكن أياً كان الأمر فإن القهوة اليوم باتت ظاهرة أممية بامتياز، ما من قارة في العالم، وما من بلد في هذه القارات، لا يعرف القهوة، ولكل أمة قهوتها، أي طريقتها في تحضيرها، وفي المواد التي تضيفها إليها. قهوتنا العربية مشهورة بالهال مضافاً إليها. نحن أهل «الهيل». لا يأتي ذكر القهوة عندنا دون أن يحضر «الهيل». «سمعنا دق إقهوة.. وشمينا ريحة هيل»، يقول مظفر النوّاب في قصيدته الشهيرة «الريل وحمد».لكن أنّى لقهوتنا ب«الهيل» بمذاقها الذي نحب أن تنافس كبريات ماركات المقاهي في عالم اليوم: «ستاربكس»، «كوستا»، «كاريبو» وغيرها. هاهنا يعمل رأس المال بكل جبروته ومهاراته وقدرته على التسويق، في منظومة صارمة لتقسيم العمل على النطاق الدولي، الأقوياء وحدهم قادرون على ولوجها، وهي التي تجعل من الظاهرة، أي ظاهرة، بصرف النظر عن منشئها المحلي أو القومي، ظاهرة أممية، لا لتلبية حاجات بالضرورة، وإنما لخلق هذه «الحاجات» وتحويلها إلى عادة أو سلوك نألفه،
بدون وعي، في الغالب الأعم.
منقول عن صحيفة الخليج